ومعنى قوله : التّنبيه على موضع الحجّة عليهم في أنّه ليس لهم ما لا سبيل لهم إلى علمه ، وقيل المخاطب بهذا المشركون ، وهو قول مجاهد وابن زيد (١) ، وقيل المؤمنون ، وهو قول الفراء (٢) وغيره.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو أنَّها بالكسر ، وقرأ عاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي بالفتح ، قال ابن مجاهد وأحسب ابن عامر (٣) ، وقرأ حمزة وابن عامر تؤمنون بالتّاء ، وقرأ الباقون بالياء (٤).
فوجه الكسر : أنّ (إنّ) جواب هاهنا ؛ لأنّه استئناف على القطع بأنّهم لا يؤمنون (٥) ، ولو فتحت وأعمل فيها (يشعركم) لكان عذرا لهم (٦).
وأمّا الفتح فعلى أن تكون (أنّ) بمعنى (لعلّ) (٧) ، حكى الخليل (٨) : إئت السوق أنّك تشتري لنا شيئا ، وقال عدي بن زيد (٩) :
أعاذل ما يدريك أنّ منيّتي |
|
إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد |
والتّقدير على هذا : لعلّها إذا جاءت لا يؤمنون.
وقال الفراء تكون (لا) صلة (١٠) ، نحو قوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) [الأعراف : ١٢] ، وكقوله تعالى : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) [الأنبياء : ٩٥]. وقال الأخفش (١١) ، التّقدير وما يشعركم بأنّها إذا جاءت يؤمنون ، فجعل (لا) زائدة ، وجعل (أنّ) في موضع نصب على حذف حرف الجر.
__________________
(١) ينظر جامع البيان : ٧ / ٤٠٧ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٢ / ٤٧٢ ، وزاد المسير : ٣ / ٧١ ، والجامع لأحكام القرآن : ٢ / ١٧٠.
(٢) معاني القرآن للفراء : ١ / ٣٥٠ ، ووافقه مكي في مشكل إعراب القرآن : ١ / ٢٦٥.
(٣) السّبعة : ٢٦٥ ، ومعاني القراءات : ١ / ٣٧٨ ، والمستنير : ٣٤١ ، والإقناع : ٢ / ٦٤٢ ، والموضح : ١ / ٤٩٣.
(٤) ينظر الحجة في القراءات : ١٤٧ ، والتيسير : ١٠٦ ، والعنوان : ٩٢.
(٥) مجاز القرآن : ١ / ٢٠٤ ، ومعاني القراءات : ١ / ٣٧٩.
(٦) القطع والائتناف : ٣١٩ ، والمكتفى في الوقت والابتدا : ١٧٧.
(٧) معاني القرآن للفراء : ١ / ٣٥٠ ، ومعاني القرآن للأخفش : ٢ / ٢٨٥.
(٨) الكتاب : ١ / ٤٦٣.
(٩) ينظر ترجمته في الشعر والشعراء : ١٣٥. والبيت من قصيدة له في المصدر السابق : ١٣٦. وهو من شواهد الطبري في جامع البيان : ٧ / ٤٠٨ ، وابن الجوزي في زاد المسير : ٣ / ٧٢ ، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ٧ / ٦٤.
(١٠) أي زائدة. ينظر معاني القرآن للفراء : ١ / ٣٥٠.
(١١) ينظر معاني القرآن للأخفش : ٢ / ٢٨٥.