والثالث : أنّه على التّقديم والتّأخير ؛ كأنه قال : إن الذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والصابئون كذلك ، وهذا قول سيبويه (١).
وقال الشاعر :
وإلّا فاعلموا أنّا وأنتم |
|
بغاة ما بقينا في شقاق (٢) |
وقوله تعالى : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) [المائدة : ٧١].
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي «أن لّا تكون فتنة» ، وقرأ الباقون (أَلَّا تَكُونَ) بالنصب (٣). ولم يختلفوا في رفع (فِتْنَةٌ) ويجوز نصبها.
فمن قرأ بالرفع جعل (أن) مخففة من الثّقيلة ، وأضمر الهاء ، وجعل (حَسِبُوا) بمعنى (عَمُوا ،) وعلى هذا الوجه تثبت النّون في الخط (٤).
وأما النّصب : فعلى أنّه جعل (أنّ) النّاصبة للفعل ، ولم يجعل (حَسِبُوا) بمعنى (العلم) وعلى هذا الوجه تسقط النّون من الخط (٥).
وأما رفع (فِتْنَةٌ) فعلى أن تكون (تَكُونَ) بمعنى الحضور والوقوع ، فلا تحتاج إلى خبر (٦).
ويجوز أن تكون ناقصة ، فتنصب (فِتْنَةٌ) على الخبر ، ويضمر الاسم (٧).
وأما قوله : (كَثِيرٌ مِنْهُمْ ،) فيرتفع من ثلاثة أوجه (٨) :
__________________
(١) ينظر الكتاب : ١ / ٢٩٠.
(٢) البيت من شواهد سيبويه في الكتاب : ١ / ٢٩٠ ، ومجمع البيان : ٣ / ٣٨٥. ونسباه إلى بشر بن أبي حازم.
(٣) السبعة : ٢٤٧ ، وإعراب القراءات السبع وعللها : ١ / ١٤٨ ، وحجة القراءات : ٢٣٣ ، والتيسير : ٨٣ ، والعنوان : ٨٨.
(٤) ينظر مجاز القرآن : ١ / ١٧٤ ، وإعراب القرآن للنحاس : ١ / ٥١٠ ، ومعاني القراءات : ١ / ٣٣٧.
(٥) الحجة لأبي علي الفارسي : ٣ / ٢٤٦ ، والمبسوط : ١٨٧ ، والتبصرة : ١٨٨.
(٦) ينظر المحرر الوجيز : ٢ / ٢٢٠.
(٧) ينظر إعراب القرآن للنحاس : ١ / ٥١١.
(٨) ينظر في هذه الوجوه : معاني القرآن للفراء : ١ / ٣١٥ ـ ٣١٦ ، ومعاني القرآن للأخفش : ١ / ٢٦٢ ، ومعاني القرآن وإعرابه : ٢ / ١٥٨ ، وإعراب القرآن للنحاس : ٢ / ٣٣ ، ومشكل إعراب القرآن : ١ / ٢٣٤ ، والكشاف : ١ / ٦٣٤ ، والمحرر الوجيز : ٤ / ٥٢٧ ـ ٥٢٨ ، وأمالي ابن الشجري : ١ / ٢٠١ ـ ٢٠٢.