اختلف في نصب (الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) :
فذهب البصريون إلى أنّه نصب على المدح ، وهو قول سيبويه (١) وأنشد لخرنق بنت هفان (٢) :
لا يبعدن قومي الّذين هم |
|
سمّ العداة وآفة الجزر |
النّازلين بكلّ معترك |
|
والطّيبون معاقد الأزر |
على تقدير : أعني النّازلين ، وهذا : أعني المقيمين الصّلاة.
واختلف في تأويل (الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) :
فذهب قوم إلى أنّ المراد بهم الأنبياء.
وذهب آخرون إلى أنّ المراد بهم الملائكة (٣). وهذا الوجه عندي أظهر ؛ لقطع قوله :
(وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ ؛) لأنّ الملائكة لا توصف بإيتاء الزّكاة ، والأنبياء يوصفون به.
وذهب قوم (٤) إلى أنّه معطوف على (قَبْلِكَ ،) أي يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ومن قبل المقيمين الصّلاة ، ثم حذف (قبل) لدلالة (قبل) عليه.
وقيل هو معطوف على الكاف من (إِلَيْكَ) أو الكاف من (قَبْلِكَ ،) وهذا لا يجوز عند البصريين (٥) ؛ لأنّه لا يعطف على الضّمير المجرور بغير إعادة الجار وقد شرحناه عند قوله تعالى : (وَالْأَرْحامَ) [النساء : ١]. وكذا قول من قال هو معطوف على الهاء والميم من قوله : (مِنْهُمْ). وأمّا من زعم أنّه غلط من الكاتب فلا يجب أن يلتفت إلى قوله ، وإن كان
__________________
(١) الكتاب : ١ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩. وينظر إعراب القرآن للنحاس : ١ / ٥٠٤ ، ومشكل إعراب القرآن : ١ / ٢١٢ ، وإعراب القرآن لأبي طاهر : ق ٢١٢ ، وكشف المشكلات : ١ / ٣٩٤.
(٢) شاعرة ، من الشهيرات في الجاهلية ، وهي أخت طرفة بن العبد لأمه. ينظر الخزانة : ٣٠٦ : ٢ ، وأعلام النساء :١ / ٢٩٤. والبيتان في ديوانها : ٢٩ ، وهما من شواهد الفراء في معاني القرآن : ١ / ١٠٥ ، وأبي عبيدة في المجاز : ١ / ٦٥ ، والجواهر لحسان : ٣ / ٢٩٩.
(٣) ينظر جامع البيان : ٦ / ٣٥ ، ومشكل إعراب القرآن : ١ / ٢١٢.
(٤) منهم الكسائي ، ينظر معاني القرآن للفراء : ١ / ١٠٧ ، وإعراب القرآن للنحاس : ١ / ٥٠٤ ـ ٥٠٥ ، والمحرر الوجيز : ٤ / ٢٩٢ ، والتفسير الكبير : ١١ / ١٠٦ ، والتبيان : ١ / ٤٠٨ ، والفريد : ١ / ٨١٨ ، والبحر المحيط : ٤ / ١٣٥.
(٥) ينظر المحرر الوجيز : ٤ / ٢٩٢ ، والدر المصون : ٤ / ١٥٤ ، وحاشية الشهاب : ٣ / ٣٩٤.