وأجود هذه القراءات : الرّفع ؛ لأنّ الوصف على (غَيْرُ) أغلب من الاستثناء.
وقد زعم بعضهم (١) أنّ النّصب على معنى الاستثناء أجود ؛ لتظاهر الأخبار بأنّه نزل لمّا سأل ابن أمّ مكتوم (٢) رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن حاله في الجهاد وهو ضرير فنزل : (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ)(٣). وهذا ليس بشيء ؛ لأنّ (غَيْرُ) وإن كانت صفة فهي تدلّ على معنى الاستثناء ؛ لأنّها في كلتا الحالتين قد خصّصت القاعدين عن الجهاد بانتقال الضرر.
قوله تعالى : (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) [النساء : ١٢٥].
اختلف في الحنيف : فقيل معناه : المائل إلى الحق بكليّته.
وقيل الحنيف : هو المستقيم ، وإنّما قيل لأعرج الرّجل حنيف تفاؤلا ، يقال : حنف في الطريق إذا استقام عليه ، فكل من سلك طريق الاستقامة فهو حنيف (٤).
ويسأل : ما في اتباع ملّة إبراهيم من الحسن ، دون اتباع ملّة موسى وعيسى وغيرهما من النّبيين؟
والجواب : أنّ إبراهيم عليهالسلام قد رضي به جميع الأمم ، وكان يدعو إلى الحنيفية لا اليهودية ولا النّصرانية ولا الوثنية ، فهو محق في دعائه إليها ، وكل من استجاب له بإذن الله فيها فقد جمع من المعاني المرغّبة ما ليس لغيره (٥).
واختلف في معنى الخليل (٦) :
فقيل : هو المصطفى بالمودة المختص بها.
وقيل : هو من الخلة وهي الحاجة ، فخليل الله على هذا المحتاج إليه [٢٥ / ظ] قال زهير (٧) :
__________________
(١) منهم النحاس ، وهذا رأيه في إعراب القرآن : ١ / ٤٤٧.
(٢) هو عبد الله بن شريح ، وقيل : (عمرو) الصحابي الجليل ، مات بالمدينة ، ويقال : استشهد يوم القادسية. ينظر أسد الغابة : ٣ / ١٨٣ ، وسير أعلام النبلاء : ١ / ٦٣٠.
(٣) جامع البيان : ٥ / ٣٠٩ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٢ / ١٧١ ، ولباب النقول : ٦٧.
(٤) ينظر العين : ٣ / ٢٤٨ (حنف) ، والصحاح : ٤ / ١٣٤٧ (حنف).
(٥) ينظر جامع البيان : ٥ / ٣٩١ ، ٤٠١.
(٦) العين : ٤ / ١٤٠ (خلل).
(٧) في شرح ديوانه لثعلب : ١٥٣ ، وهو من شواهد سيبويه في الكتاب : ١ / ٤٣٦ ، والمبرد في المقتضب : ٢ / ٧ وابن جني في المحتسب : ٢ / ٦٥.