والنحويون لا يجيزون هذا ؛ لأنه لا يجوز عطف الظاهر على المضمر المجرور إلا بإعادة الجار (١).
قال سيبويه (٢) : لأنه لا ينفصل فصار كبعض الحرف ، ومثّله بعضهم بالتنوين ، وذلك أنه يعاقبه ، ويحذف في الموضع الذي يحذف فيه التنوين ، وذلك قولك : يا غلام ، تحذف الياء تخفيفا كما تحذف التنوين من قولك : يا زيد.
وقال المازني (٣) : المعطوف والمعطوف عليه شريكان ، لا يجوز في أحدهما ما لا يجوز في الآخرة ، فكما لا تقول : مررت بزيدوك ، كذلك لا تقول : مررت بك وزيد ، فإن احتجّ محتجّ بقول الشاعر :
فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا |
|
فاذهب فما بك والأيّام من عجب (٤) |
وبقول الآخر :
تعلّق في مثل السّواريّ سيوفنا |
|
وما بينها والكعب غوط نفانف (٥) |
قيل : هذا من ضرورات الشعر ولا يحمل القرآن عليه (٦).
وقد احتجّ له بعضهم بأنه على إضمار الباء ؛ لتقدم ذكرها في قوله : (بِهِ ،)
واستشهد بقول الشاعر :
أكلّ امرئ تحسبين امرءا |
|
ونار توقّد في اللّيل نارا (٧) |
أراد : وكلّ نار ، فحذف (كلّ) لدلالة ما في صدر البيت.
__________________
(١) ينظر معاني القرآن للأخفش : ١ / ٢٢٤ ، والكامل للمبرد : ٢ / ٩٣١ ، واللمع : ١٨٥ ، والكشاف : ١ / ٤٩٣.
(٢) الكتاب : ٢ / ٣٨١.
(٣) معاني القرآن وإعرابه : ٢ / ٦ ، وإعراب القرآن للنحاس : ١ / ٣٩٠ ، ومشكل إعراب القرآن : ١ / ١٨٨.
(٤) بلا عزو في الكتاب : ١ / ٣٩٢ ، واللمع : ١٨٥ ، والمقرب : ٢٥٦ ، والمقاصد النحوية : ٤ / ١٦٣ ، وهمع الهوامع : ١ / ١٢٠ ، والخزانة : ٥ / ١٢٣.
(٥) البيت لمسكين الدارمي ، ديوانه : ٥٣ ، وروايته : (والكعب منا تنائف) ، وهو في الحيوان : ٦ / ٤٩٤ ، وشرح عمدة الحافظ : ٦٦٣ ، وفاتحة الإعراب : ١٧٣ ، والبحر المحيط : ٣ / ٤٩٩ ، والمقاصد النحوية : ٤ / ١٦٤.
والغوط : جمع غائط ، وهو المطمئن من الأرض ، ونفائف : جمع نفف ، وهو الهواء بين الشيئين ، ينظر اللسان : ٧ / ٣٦٥ (غوط) ، و ٩ / ٣٣٨ (نفف).
(٦) معاني القرآن للفراء : ١ / ٢٥٣ ، والمحرر الوجيز : ٣ / ٤٨٣.
(٧) البيت لأبي داود الأيادي كما نسبه إليه الأصمعي في الأصمعيات : ١٩١ ، والمبرد في الكامل : ١ / ٣٧٦.