قيل : لأنه ظاهر له كظهور ما بين يديه (١). وقيل في معنى (مُصَدِّقاً) قولان (٢) :
أحدهما : أنه مصدق لما بين يديه لموافقته إياه في الخبر.
والثاني : أنه مصدق ، أي : يخبر بصدق الأنبياء.
وفي قوله : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) قولان (٣) :
أحدهما : بالصدق في إخباره
والثاني : بالحق ، أي : بما توجبه الحكمة من الإنزال كما توجبه الحكمة من الإرسال ، وهو حق من الوجهين.
فصل :
ويسأل : ما وزن التوراة؟
والجواب أن فيها ثلاثة أقوال (٤) :
أحدها : أنها تفعلة ، وأصلها : تورية ، وتحركت الياء وانفتح ما قبلها ، فانقلبت ألفا.
وتفعلة في الكلام قليل جدا. قالوا : تتفلة في تتفلة.
والقول الثاني أنها تفعلة ، والأصل : تورية ، مثل : توقية ، وتوفية ، فنقلت إلى تفعلة ، وقلبت ياؤها. وهذان القولان رديئان ، وهما للكوفيين (٥).
وأما البصريون (٦) : فتورية عندهم : فوعلة ، وأصلها : وورية ، مثل : حوقلة ، ودوخلة فأبدلوا من الواو الأولى تاء كما فعلوا في تولج (٧) ، والأصل : وولج ؛ لأنه من الولوج ، وقلبوا الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وهذا القول المختار ؛ لأن توقية لا يجوز فيها توقاة ، وتفعلة قليل في الكلام.
واشتقاق تورية من قولهم : وريت بك زنادي ، كأنها ضياء في الدين ، كما أن ما يخرج
__________________
(١) النكت والعيون : ١ / ٢٤٤. ومجمع البيان : ٢ / ٢٣٥.
(٢) ينظر جامع البيان : ٣ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ، والتبيان في تفسير القرآن : ٢ / ٣٩١ ـ ٣٩٢.
(٣) ينظر معاني القرآن للنحاس : ١ / ٣٤٠ ، وتفسير القرآن العظيم : ٣٥١ ـ ٣٥٢.
(٤) الاستكمال : ٣٤٤ ـ ٣٤٥ ، ومشكل إعراب القرآن : ١ / ١٤٩ ، والبحر المحيط : ٣ / ٦.
(٥) للفراء كما في الزاهر : ١ / ١٦٨ ، وينظر معاني القرآن وإعرابه : ١ / ٣١٧.
(٦) ينظر الكتاب : ٢ / ٣٥٦ ، وسر صناعة الإعراب : ١ / ١٤٦ ، ومشكل إعراب القرآن : ١ / ١٤٩ ، والممتع في التصريف : ١ / ٣٨٣ ، وارتشاف الضرب : ١ / ١٥٦.
(٧) التولج : كناس الوحش. الصحاح : ١ / ٣٤٨ (ولج).