قال الخليل (١) : الضّرب يقع على جميع الأعمال إلّا قليلا ؛ تقول : ضرب في التّجارة ، وضرب في الأرض ، وضرب في سبيل الله ، وضرب بيده إلى كذا ، وضرب فلان على يد فلان إذا أفسد عليه أمرا أخذ فيه وأراده. وضرب الأمثال إنما هو جعلها لتسير في البلاد (٢) ، يقال : ضربت القول مثلا ، وأرسلته مثلا وما أشبه ذلك.
والبعوض : القرقس ، وهو هذا الذي يسميه العامة (البّقّ) واحده بعوضة (٣) ، قال العجّاج (٤) :
وصرت عبدا للبعوض أخصفا
وفوق : ظرف ، وهو نقيض تحت. [٧ / و]
فصل :
وممّا يسأل عنه أن يقال : قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً) [البقرة : ٢٦] أنّه جواب ما إذا؟
الجواب للعلماء فيه قولان :
أحدهما : ما ذكر عن ابن عباس وابن مسعود ـ رضي الله عنهما ـ أنّ الله تعالى لمّا ضرب المثلين قيل هذه للمنافقين يعني قوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) [البقرة : ١٧] ، وقوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) [البقرة : ١٩] قال المنافقون : الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال. فأنزل الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) [البقرة : ٢٦] إلى قوله (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) [البقرة : ٢٧] ، والمعنى على هذا : أنّ الله لا يستحي أن يضرب مثلا بالصّغير والكبير إذا كان في ضربه بالصّغير من الحكمة ما في ضربه بالكبير (٥). ويروى عن الرّبيع بن أنس (٦) أنّ
__________________
(١) ينظر العين : ٢ / ٢٥١ (ضرب).
(٢) ينظر العقد الفريد : ٣ / ٢ ، وجمهرة الأمثال : ١ / ٧.
(٣) ينظر اللسان : ٦ / ٣٧ (جرجس) ، و ١٠ / ٢٣ (بقق).
(٤) ديوانه : ٥٠٤ ، وهو عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر (ت ٩٦ ه) ينظر طبقات الشعراء : ٥٧١ ، وخزانة الأدب : ٢ / ٩٧.
(٥) ينظر أسباب النزول ، للواحدي : ٢١ ـ ٢٢ ، والعجاب في بيان الأسباب : ٨٣. في الأصل : بالكثير ، وهو تصحيف.
(٦) ابن زياد البكري (ت ١٣٩ ه). ينظر مشاهير علماء الأمصار : ٢٠٣ ، وسير أعلام النبلاء : ٦ / ١٦٩ ـ ١٧٠.