كأنهم سموها إلاهة على نحو تعظيمهم لها ، وعبادتهم إياها ، ولذلك نهاهم الله عزوجل عن ذلك ، وأمرهم بالتوجه في العبادة إليه دون خلقه ، فقال الله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [فصلت : ٣٧] ، ويدلّ على هذا ما حكاه أحمد بن يحيى (١) : أنهم يسمّونها (إلهة) غير مصروفة. فدلّ ذلك على أن هذا الاسم منقول (٢) إذا كان مخصوصا ، وأكثر الأسماء المختصة الأعلام منقول ، نحو : زيد وعمرو. وقرأ ابن عباس (٣) : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) [الأعراف : ١٢٧] أي : وعبادتك ، وكان يقول : كان فرعون يعبد ولا يعبد (٤).
وأمّا قراءة الجماعة (٥) : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ،) فهو جمع إله ، كإزار وآزرة ، وإناء وآنية.
والمعنى على هذا : أنه كان لفرعون أصنام يعبدها شيعته وأتباعه ، فلمّا دعاهم موسى عليهالسلام إلى التّوحيد حضوا فرعون عليه وعلى قومه ، وأغروه بهم.
ويقوي هذه القراءة ، قوله تعالى : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) [الأعراف : ١٣٨]. وأمّا الأصل في قولنا : (الله) فقد اختلف قول سيبويه (٦) في ذلك ؛ فقال مرة (٧) : الأصل : (إله) ، ففاء الكلمة على هذا همزة ، وعينها لام ، والألف ألف فعال زائدة واللام هاء.
وقال مرة : الأصل (لاه) ، فوزنه على هذا (فعل) ، ولكلّ من هذين القولين وجه. وإذا قدرته على الوجه الأوّل فالأصل (إله) ، ثم حذفت الهمزة حذفا لا على طريق التخفيف القياسي في قولك : الخبّ في الخبّ وضوء في ضوء ، فإن قال قائل : فلم قدرتموه هذا التقدير ، وهلا حملتموه على التّخفيف القياسي إذا كان تقدير ذلك فيه سائغا غير ممتنع ،
__________________
(١) وهو : أبو العباس ، الشهير بثعلب (ت ٢٩١ ه) ينظر إنباه الرواة : ١ / ١٣٨ ، وطبقات الحفاظ : ١ / ٢٩٤ ، ووفيات الأعيان : ١ / ١٠٢ ، وينظر قوله في مجمع البيان : ٧ / ٢٩٧.
(٢) أي : مشتق.
(٣) ينظر النشر : ٢ / ٢٧١ ، والبحر المحيط : ٤ / ٣٦٧
(٤) ينظر معاني القرآن للنحاس : ٣ / ٦٥ ، والتبيان في تفسير القرآن : ٤ / ٥١٢.
(٥) ينظر المحرر الوجيز : ٦ / ٤٢ ، والبحر المحيط : ٤ / ٣٦٧ ، واللباب في علوم الكتاب : ٩ / ٢٧٠ ، والإتحاف : ٢٢٩.
(٦) هو : أبو بشر عمرو بن عثمان ، لزم الخليل ونقل آراءه في (الكتاب) المشهور ، (ومات سنة ١٨٠ ه). ينظر أخبار النحويين البصريين : ٤٨ ، وطبقات النحويين واللغويين : ٦٦.
(٧) ينظر الكتاب : ٣ / ٤٩٨.