الدّار ، ولا يجوز أن يتعلق الباء بابتدائي المضمر ؛ لأنّه مصدر ، وإذا تعلقت به صار (١) من صلته ، وبقي المبتدأ بلا خبر.
وذهب عامة الكوفيين وبعض البصريين (٢) إلى أن موضع الباء نصب على إضمار فعل ، واختلفوا في تقديره ، فذهب الجمهور (٣) منهم إلى أنه يضمر فعلا يشبه الفعل الذي يريد أن يأخذ فيه ، كأنه إذا أراد الكتابة أضمر : أكتب ، وإذا أراد القراءة أضمر : أقرأ ، وإذا أراد الأكل والشرب أضمر : آكل وأشرب.
وممّا يسأل عنه أن يقال : لم جرّت الباء (٤)؟
والجواب : أنها لا معنى لها إلا في الأسماء ، فعملت الإعراب الذي لا يكون إلا في الأسماء وهو الجر.
ويقال : لم حركت وأصلها السّكون؟
والجواب : أن يقال : حركت للابتداء بها ؛ لأنّه لا يصحّ أن يبتدأ بساكن ؛ لأنّ اللسان يجفو عنه.
ويقال : فلم اختير لها الكسر؟
والجواب : أنّ أبا عمر الجرمي (٥) قال : كسرت تشبيها بعملها ، وذلك أن عملها الجر وعلامة الجر الكسرة ، فأعترض عليه بعد موته بأن قيل : الكاف تجر ، وهي مع ذلك مفتوحة ، فأنفك أصحابه من هذا الاعتراض بأن قالوا : أرادوا أن يفرقوا بين ما يجر ولا يكون إلا حرفا نحو الباء واللام ، وبين ما يجر ، وقد يكون اسما نحو الكاف : وأمّا أبو علي (٦) فحكى عنه الرّبعي (٧) أنهم لو فتحوا أو ضموا الكاف لكان جائرا ؛ لأنّ الغرض
__________________
(١) في الأصل : ماز ، وهو تحريف. ينظر مجمع البيان : ١ / ٥٢.
(٢) ينظر إعراب ثلاثين سورة : ٢٠ ، مشكل إعراب القرآن : ١ / ٦٦.
(٣) ينظر معاني القرآن للنحاس : ١ / ٥١ ، وجامع البيان : ١ / ٨١ ، والكشاف : ١ / ٢٦.
(٤) ينظر الأقوال في جر الباء : إعراب القرآن للنحاس : ١ / ١٦٦ ، والفريد في أعراب القرآن المجيد : ١ / ١٥١ ، وحاشية الخضري : ٣ ـ ٥.
(٥) هو : أبو عمر صالح بن إسحاق البلخي البصري (ت ٢٢٥ ه). ينظر طبقات النحويين واللغويين : ٢٧٤ ، وبغية الوعاة : ٢ / ٨ ، وينظر مجمع البيان : ١ / ٥٣.
(٦) هو : الحسن بن محمد بن عبد الغفار النحوي الفارسي. (ت ٣٧٧ ه). ينظر إنباه الرواة : ١ / ٢٧٣ ، وبغية الوعاة : ١ / ٤٩٦ ، وشذرات الذهب : ٢ / ٨٨.
(٧) هو : علي بن عيسى ، أبو الحسن النحوي. (ت ٤٢٠ ه). ينظر سير أعلام النبلاء : ١٧ / ٣٩٣ ، والبلغة : ١ / ١٥٤. وينظر مجمع البيان : ١ / ٥٣.