قَالَ فَأَوْحَى اللهُ إِلَى نَبِيِّهِ بِمَا كَانَ مِنْ كَيْدِهِمْ وَتَلَا عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ علیهما السلام (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (١) الْآيَةَ وَأَمَرَهُ بِالْهِجْرَةِ فَدَعَا عَلِيّاً علیهما السلام لِوَقْتِهِ فَأَخْبَرَهُ بِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ وَمَا أُمِرَ بِهِ وَأَنَّهُ أَمَرَنِي أَنْ آمُرَكَ بِالْمَبِيتِ عَلَى فِرَاشِي أَوْ عَلَى مَضْجَعِي لِيَخْفَى بِمَبِيتِكَ عَلَيْهِ أَمْرِي فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ وَصَانِعٌ فَقَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام أَوَتَسْلَمُ بِمَبِيتِي هُنَاكَ يَا نَبِيَّ اللهِ قَالَ نَعَمْ فَتَبَسَّمَ عَلِيٌّ علیهما السلام ضَاحِكاً وَأَهْوَى إِلَى الْأَرْضِ سَاجِداً شُكْراً لِمَا أَنْبَأَهُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم مِنْ سَلَامَتِهِ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَجَدَ شُكْراً وَأَوَّلَ مَنْ وَضَعَ وَجْهَهُ عَلَى الْأَرْضِ بَعْدَ سَجْدَتِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ فِدَاكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَسُوَيْدَاءُ قَلْبِي وَمُرْنِي بِمَا شِئْتَ أَكُنْ فِيهِ كَمَسَرَّتِكَ وَأَقَعْ مِنْهُ بِحَيْثُ مُرَادِكَ وَإِنْ تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ.
قَالَ إِنِّي أُخْبِرُكَ يَا عَلِيُّ أَنَّ اللهَ يَخْتَبِرُ أَوْلِيَاءَهُ عَلَى قَدْرِ إِيمَانِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ مِنْ دِينِهِ فَأَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ وَقَدِ امْتَحَنَكَ اللهُ يَا ابْنَ أُمِّ وَامْتَحَنَنِي فِيكَ بِمِثْلِ مَا امْتَحَنَ اللهُ بِهِ خَلِيلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَالذَّبِيحَ إِسْمَاعِيلَ فَصَبْراً صَبْراً فَ (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ثُمَّ ضَمَّهُ النَّبِيُّ علیهما السلام إِلَى صَدْرِهِ وَبَكَى وَجْداً بِهِ وَبَكَى عَلِيٌّ علیهما السلام حُزْناً (٢) لِفِرَاقِ رَسُولِ اللهِ ص.
وَاسْتَتْبَعَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي قُحَافَةَ وَهِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَنْتَظِرَاهُ بِمَكَانٍ عَيَّنَهُ لَهُمَا مِنْ طَرِيقِهِ إِلَى الْغَارِ وَلَبِثَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم بِمَكَانِهِ يُوصِي عَلِيّاً وَيَأْمُرُهُ بِالصَّبْرِ وَخَرَجَ فِي فَحْمَةِ الْعِشَاءِ وَالرَّصَدُ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ طَافُوا بِالدَّارِ يَنْتَظِرُونَ أَنْ يَنْتَصِفَ اللَّيْلُ وَتَنَامُ الْأَعْيُنُ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقْرَأُ (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) (٣) الْآيَةَ وَرَمَاهُمْ بِقَبْضَةٍ مِنْ تُرَابٍ فَمَا شَعَرُوا بِهِ وَمَضَى حَتَّى انْتَهَى إِلَى صَاحِبَيْهِ فَنَهَضَا مَعَهُ وَوَصَلُوا إِلَى الْغَارِ وَرَجَعَ هِنْدٍ إِلَى مَكَّةَ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ النَّبِيُّ علیهما السلام وَدَخَلَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ إِلَى الْغَارِ.
________________
(١) الأنفال : ٣٠.
(٢) وفي نسخة «جزعا».
(٣) يس : ٩.