وقالوا يحمل الكلام على التقديم والتأخير ويكون تلخيصه ولقد همت به ولو لا أن رأى برهن ربه لهم بها كقوله (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) والهم لم يقع لمكان فضل الله ورحمته يقال قد كنت هلكت لو لا أني تداركتك وقتلت لو لا أني خلصتك المعنى لو لا تداركني لهلكت ولو لا تخلصني لقتلت قال الجبائي هم بها اشتهاها ومال طبعه إلى ما دعته إليه وتستعمل الشهوة هما في مجاز اللغة يقال ليس هذا من همي وهذا أهم الأشياء إلي ولا قبح في الشهوة فإنها من فعل الله تعالى فيه وإنما يتعلق القبح بتناول المشتهى.
قوله سبحانه :
(لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) يجوز أنه لما هم بدفعها أراه الله تعالى برهانا على أنه إن أقدم على ما هم به قتلوه أو أنها تقرفه بأنه دعاها إلى نفسه وضربها لامتناعها منه كما قال تعالى (وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) وقال (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ) وقال (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) وقال (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) وقال (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) وقال (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) وقال (قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) وقال (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ. يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) أما البرهان بأنه لطف لطف الله له به في تلك الحال أو قبلها اختار عنده الامتناع عن المعاصي وتكون الرؤية هاهنا بمعنى العلم وقالوا البرهان دلالة الله تعالى ليوسف على تحريم الفاحشة وعلى أن من فعلها استحق العقاب
فصل
قوله تعالى (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَ) متعلقة في ظاهر الكلام بما لا يصح في الحقيقة أن يكون محبوبا مرادا لأن السجن إنما هو الجسم والأجسام لا يجوز أن يريدها وإنما يريد الفعل فيها والمتعلق بها والسجن نفسه ليس بطاعة ولا معصية وإنما الأفعال فيه قد تكون طاعات ومعاصي بحسب الوجوه التي تقع عليها والظالم إذا أكره مؤمنا على ملازمة موضع وترك التصرف