العفاف ثم أصيب به أعجب مصيبة وقد يرد على الإنسان من الحزن ما لا يمكن رده ولهذا لا ينهى عن مجرد الحزن وإنما نهي عن النوح واللطم والجزع ثم إن التجلد على المصائب وكظم الحزن من المندوب وليس بواجب قَالَ النَّبِيُّ ع الْعَيْنُ تَدْمَعُ وَالْقَلْبُ يَحْزَنُ. ولم يسأل يعقوب من رؤيا ابنه يوسف لأن يوسف رآها وهو صبي غير نبي ولا موحى إليه فلا قطع على صحتها على أن يعقوب وإن كان قاطعا على بقاء ابنه وإن الأمر سؤال فيه على ما تضمنه الرؤيا لا يوجب نفي الحزن لأن طول المفارقة يقتضيه لسائر الناس
فصل
قوله تعالى في قصة يوسف ع (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) إنما كان صبره على العبودية لأن الله تعالى لا يمتنع أن يكون أمره بكتمان أمره والصبر على مشقة العبودية امتحانا وتشديدا في التكليف كامتحان إبراهيم بنمرود وإسماعيل بالذبح ويجوز أن يكون قد خبرهم بأنه حر إلا أنهم لم يسمعوا منه وقالوا إنه لم يكن في تلك الحال نبيا ولما خاف على نفسه القتل جاز أن يصير على الاسترقاق وقالوا إنه خاف القتل فكتم أمر نبوته وصبر على العبودية وهذا باطل يعلم أن الله تعالى عاصم للنبي حتى يؤدي وإلا كان نقضا للغرض.
قوله سبحانه :
(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) الهم لفظ مشترك أما قوله (إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا) أي عزموا وقال شاعر :
هممت ولم أفعل وكدت وليتني |
|
تركت على عثمان تبكي حلائله |
وأما قوله (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ) أي خطر ببالهم الفشل عن غير عزم يدل عليه (وَاللهُ وَلِيُّهُما) لأنه قال (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) وإرادة المعصية والعزم عليها معصية قال كعب بن زهير فكم فيهم من سيد متوسع ومن فاعل للخير إن هم أو عزم فرق بين الهم والعزم لأن الهم بالأمر حديث النفس بفعله والعزم نهاية القوة في النفس وهو مقدمة النية وبمعنى المقاربة يقال هم بكذا أي كاد يفعله وليس هذا من همي وهذا أهم الأشياء إلي من ميل الطباع وقال تعالى (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) فالعزم على القبيح لا يجوز ويجوز على الوجوه الأخر (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) بالفحشاء (وَهَمَّ بِها) بالدفع عن نفسه