الداعية إلى ذلك وأنهم مع هذه الحال معذبون بها بالوجه المذكور والمراد
بذلك كل ما يدخل عليهم في الدنيا من الغموم والمصائب بأموالهم عقاب وجزاء وهو
للمؤمنين محنة وجالبة للعوض ويجوز أيضا أن يراد به ما ينذر به الكافر قبل موته
وعند احتضاره وعند انقطاع التكليف عنه مع أنه حي من العذاب الدائم الذي قد أعد له
وإعلامه أنه صائر إليه ومنتقل إلى قراره ـ الحسن والطبري المراد بذلك ما ألزمه
هؤلاء الكفار من الفرائض والحقوق في أموالهم لأن ذلك يؤخذ منهم على كره وهم إذا
أنفقوا بغير نية فتصير نفقتهم غرامة وعذابا من حيث لا يستحقون عليها أجرا وهذا غير
صحيح وقال المرتضى تقدير الآية أنما يريد الله ليعذبهم بأموالهم وأولادهم الواقع
ذلك منهم في الحياة الدنيا من إنفاقهم الأموال في وجوه المعاصي وحملهم الأولاد على
الكفر.
قوله سبحانه :
(وَتَزْهَقَ
أَنْفُسُهُمْ) أي يموتون على الكفر وليس يجب إن كان مريدا لا تزهق
أنفسهم وهم على هذه الحال أن يكون مريدا للحال نفسها على ما ظنوه لأن الواحد منا
قد يأمر غيره ويريد منه أن يقاتل أهل البغي وهم محاربون ولا يقاتلهم وهم منهزمون
ولا يكون مريدا لحرب أهل البغي للمؤمنين وإن أراد قتالهم على هذه الحال وكذلك قد
يقول لغلامه أريد أن تواظب إلي في السجن وأنا محبوس وللطبيب صر إلي ولازمني وأنا
مريض ولا يريد الحبس ولا المرض وإن كان قد أراد ما هو متعلق بهاتين الحالتين ولا
يكون قوله (وَهُمْ كافِرُونَ) حالا لزهوق أنفسهم بل يكون كأنه كلام مستأنف والتقدير (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا
أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ) وهم مع ذلك كلهم كافرون صائرون إلى النار وتكون الفائدة
أنهم مع عذاب الدنيا قد اجتمع عليهم عذاب الآخرة ويكون معنى (تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ) على هذا الجواب غير الموت بل المشقة الشديدة.
قوله سبحانه :
(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ
الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) لم يقل إلا وقد آمن به في الماضي وإنما قال (إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) في مستقبل من الزمان فيجوز أن يكون ذلك عند