من طريق الاكتساب والاستدلال فالأدلة باطلة والمعجزات عبث والهداية فاسدة
لأن من جبر على معرفة الحق يعرفه ضرورة ومن جبر على معرفة الباطل لم يعرفه
بالاستدلال والاكتساب وإذا فقد الاستدلال فقد معرفة الصانع لحصولها بالاستدلال وهو
مبني على أن الفعل في الشاهد متعلق بالفاعل وإذا فسد الأصل لم يكن إلى إثباته سبيل
والنبوات إنما تعلم من طريق الاكتساب بأن يظهر الله على أيديهم المعجزات وإذا فسد
الأصل فسد الفرع ومتى ما صح بطل التكليف والأمر والنهي والحمد والذم والثواب
والعقاب ومتى ما بطل ذلك بطلت النبوات رأسا لأنها مبنية على هذه الأصول وإن الله
تعالى إذا خلق بعضهم كفارا وبعضهم مؤمنين ولا يقدران على التغيير فلما ذا يبعث الأنبياء
وإذا جاز أن يضل الله الحق جاز أن يبعث من يضلهم عنه فلم يؤمن أن يكون داعيا إلى
الضلال وإذا كان جميع الأفعال لله فبأي شيء يؤمر وينهى ويكلف ويحث ويرغب ويرهب وهو
لا يقدر على تقديم وتأخير ولا نقض وإبرام ولا فعل وترك ولئن جاز تكليف من هذا حاله
جاز تكليف الجماد وإن الله تعالى فرق بين فعل نفسه وفعل خلقه فقال (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ
كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا
كَفُوراً وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ
فَلْيَكْفُرْ قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ
فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ
عَلَيْها) وقد ألزم على أفعالهم فقال (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ
لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ
أَساءَ فَعَلَيْها وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ
فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ.
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي
لِنَفْسِهِ) (وَمَنْ كَفَرَ
فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ
فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ
كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) ذكر أن الجزاء بالأعمال فقال (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ مَنْ
عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ فَأُولئِكَ ما
عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ. إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ
النَّاسَ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ
أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَأَنْ لَيْسَ
لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ
الْأَوْفى وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ فَما كانَ اللهُ
لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ما يَفْعَلُ اللهُ
بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ
سَبِيلاً فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) و (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ
الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ