وهو ما إذا باع شيئا حاضرا بثمن مؤجل ، وبيع الدين بالعين وهو المسمى بالسلم ، وكلاهما داخلان تحت الآية.
(فَاكْتُبُوهُ) أي اكتبوا الدين في صك لأنه أوثق وأدفع للنزاع الناشئ من النسيان أو الجحود ، والجمهور من العلماء على استحباب الكتابة ، لإجماع المسلمين قديما وحديثا على جواز البيع بالأثمان المأخوذة من غير كتابة ولا إشهاد ، ولأن في إيجابهما حرجا وضيقا ، والنبي صلىاللهعليهوآله بعث بالشريعة السهلة السمحة.
ويحتمل أن يكون الأمر للإرشاد إلى المصلحة ، لما في ذلك من المصالح بالنسبة الى من له الحق وعليه والشهود ، وحينئذ فلو رضى صاحب الحق بتركه جاز ، كما يجوز له أن لا يأخذ الحق من أصله. وذهب بعضهم الى الوجوب نظرا الى ظاهر الأمر. قال في «المجمع» : ويدل على صحة القول الأول قوله (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) والمفهوم من هذا الظاهر : فإن ائتمنه على ماله فله أن يأتمنه عليه. قيل فيه تأمل ، إذ يدل على عدم الوجوب على تقدير الايتمان لا مطلقا. قلت : ذلك يكفي في إثبات المطلوب ، لعدم القول بالفرق ، فان الكلام في وجوب كتابة الدين مطلقا وعدمها مطلقا. وجعل بعضهم قوله (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ) إلخ ، ناسخا لوجوب الكتابة والاشهاد ، وفيه نظر.
(وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) بالإنصاف والتسوية والامانة لا يزيد في الحق ولا ينقص منه ، ولا يخص أحدهما بالاحتياط دون الآخر. وقيل العدل أن يكون ما يكتبه متفقا عليه بين المجتهدين ، ولا يكون بحيث يجد قاض من قضاة المسلمين سبيلا إلى إبطاله.
ومقتضى ذلك اشتراط علمه بالكتابة على الوجه المأمور به الموافق للشرع ، حتى يجيء كتابه معدلا بالشرع غير مشتمل على تغيير وتحريف. وهو في الحقيقة أمر للمتداينين باختيار كاتب فقيه ديّن حتى يجيء مكتوبة موثوقا به معدلا في الشريعة.
(وَلا يَأْبَ كاتِبٌ) ولا يمتنع أحد من الكتاب (أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ) مثل ما علمه الله من كتب الوثائق [بالنسبة الى كل معاملة ، بحيث لا يكتب شيئا يخالف