(وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يعنى يوم القيمة لأنّ الإنسان ما لم يعرف المبدء والمعاد لا يصحّ منه التوجّه إليه وإنّما طوى في ذكر الرسول تنبيها على أنّه واسطة والتوجّه الحقيقيّ من الله وإلى الله وقيل : دلّ عليه بقوله :
(وَأَقامَ الصَّلاةَ) بحدودها الواجبة.
(وَآتَى الزَّكاةَ) الواجبة : أي أعطاها مستحقّها إن وجبت عليه لأنّهما إنّما علما من أفعاله وأقواله. ثمّ إنّ إقامة الصلاة لا ريب في أنّها عمارة المسجد والحضور فيه ، وأمّا إيتاء الزكاة فإنّما كان سببا للعمارة لأنّه يحضر المسجد طوائف الفقراء والمساكين لأخذ الزكاة ولأنّ إيتاء الزكاة واجب وبناء المسجد وإصلاحه نفل والإنسان ما لم يتفرّغ عن الواجب لم يشتغل بالنافلة فلو لم يكن مؤدّيا للزكاة فالظاهر أنّه لم يشتغل بعمارة المساجد.
(وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ) أي في أبواب الدين لا مطلقا. إذ الخشية من المحاذير جبلة لا يكاد الرجل يتمالك عنها واعتبر ذلك ليعلم أنّه لو أتى المسجد أو بناه رياء وسمعة لم يكن عامرا له ، ولا يخفى أنّ هذه الأوصاف جامعة للكمالات العلميّة والعمليّة وذكر الصلاة والزكاة دون غيرهما بعد ذكر الإيمان بالله دلالة ظاهرة على أنّ الإيمان لا يتناول أفعال الجوارح. إذ لو تناولها لما جاز عطف ما دخل فيه عليه ، ومن قال : إنّ المراد التفصيل وزيادة البيان فقد ترك الظاهر.
(فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) أي إذا فعلوا ذلك هم من المهتدين إلى الجنّة ونيل ثوابها لأنّ عسى من الله واجبة ليست على طريق الشكّ وهو قول ابن عبّاس والحسن.
وقيل : إنّما قال عسى ليكونوا على حذر ممّا يحبط أعمالهم ولا يغترّوا بها : أي يستمرّون على أفعالهم الصالحة ويحذرون من المعاصي.
وقيل : هذا الكلام حسم لاطماع الكفّار في الانتفاع بأعمالهم فإنّ الموصوفين بالصفات المذكورة إذا كان اهتداءهم المتعقّب لصلاح حالهم في الدارين دائر بين عسى ولعلّ فما ظنّك باهتداء المشركين ، وفي الآية حثّ عظيم وترغيب وافر علي تعمير