وقال مجاهد وعكرمة : للمقوين يعني للمستمتعين بها من الناس أجمعين المسافرين والحاضرين يستضيئون بها في الظلمة ويصطلون من البرد ، وينتفعون بها في الطبخ والخبز.
قال الحسن : بلغة للمسافرين يتبلغون بها إلى أسفارهم يحملونها في الخرق والجواليق. وقال ابن زيد : للجائعين تقول العرب أقويت منذ كذا وكذا أي ما أكلت شيئا. قال قطرب : المقوي من الأضداد يقال للفقير مقو لخلوه من المال ، ويقال للغني : مقو لقوته على ما يريد ، يقال : أقوى الرجل إذا قويت دوابه وكثر ماله ، وصار إلى حالة القوة ، والمعنى أن فيها متاعا للأغنياء والفقراء جميعا لا غنى لأحد عنها.
(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤) فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (٧٩))
(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٧٤).
قوله عزوجل : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) (٧٥) ، قال أكثر المفسرين : معناه أقسم ولا صلة ، وكان عيسى بن عمر يقرأ : «فلأقسم» ، على التحقيق. وقيل : قوله (فَلا) رد لما قاله الكفار في القرآن إنه سحر وشعر وكهانة ، معناه ليس الأمر كما يقولون ثم استأنف القسم ، فقال (أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ). قرأ حمزة والكسائي «بموقع» على التوحيد. وقرأ الآخرون «بمواقع» على الجمع (١). قال ابن عباس : أراد نجوم القرآن فإنه كان نزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم متفرقا نجوما. وقال جماعة من المفسرين : أراد مغارب النجوم ومساقطها. وقال عطاء بن أبي رباح أراد منازلها. وقال الحسن : أراد انكدارها وانتثارها (٢) يوم القيامة.
(وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (٧٦) (إِنَّهُ) ، يعني هذا الكتاب وهو موضع القسم. (لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) ، عزيز مكرم لأنه كلام الله. قال بعض أهل المعاني : الكريم الذي من شأنه أن يعطي الخير الكثير.
(فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) (٧٨) ، مصون عند الله في اللوح المحفوظ محفوظ من الشياطين.
(لا يَمَسُّهُ) ، أي ذلك الكتاب المكنون ، (إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) ، وهم الملائكة الموصوفون بالطهارة يروى هذا عن أنس وهو قول سعيد بن جبير وأبي العالية ، وقتادة وابن زيد : أنهم الملائكة.
وروى حيان عن الكلبي قال هم السفرة الكرام البررة وروى محمد بن فضيل (٣) عنه لا يقرؤه إلا الموحدون (٤). قال عكرمة : وكان ابن عباس ينهى أن يمكن اليهود والنصارى من قراءة القرآن. قال الفراء : لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به. وقال قوم : معناه لا يمسه إلا المطهرون من الأحداث والجنابات. وظاهر الآية نفي ومعناها نهي ، قالوا : لا يجوز للجنب ولا للحائض ولا المحدث حمل المصحف ولا مسه ، وهو قول عطاء وطاوس وسالم والقاسم وأكثر أهل العلم ، وبه قال مالك والشافعي وقال الحكم وحماد وأبو حنيفة : يجوز للمحدث والجنب حمل المصحف ومسه بغلاف ، والأول قول أكثر الفقهاء.
__________________
(١) في المطبوع «الجميع» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المخطوط (ب) «انتشارها».
(٣) في المطبوع «الفضل» والمثبت عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «الموحدون» والمثبت عن المخطوط.