وأصوب قراءة وأصح قولا لهدأة الناس وسكون الأصوات. وقال الكلبي : أبين قولا بالقرآن ، وفي الجملة عبادة الليل أشد نشاطا وأتم إخلاصا وأكثر بركة وأبلغ في الثواب من عبادة النهار.
(إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (٧) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (٨) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (٩) وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (١٠))
(إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) (٧) ، أي تصرفا وتقلبا وإقبالا وإدبارا في حوائجك وأشغالك ، وأصل السبح سرعة الذهاب ، ومنه السباحة في الماء ، وقيل : سبحا طويلا أي فراغا وسعة لنومك وتصرفك في حوائجك فصلّ من الليل ، وقرأ يحيى بن يعمر «سبخا» بالخاء المعجمة أي استراحة وتخفيفا للبدن.
[٢٢٨٥] منه قول النبي صلىاللهعليهوسلم لعائشة ، وقد دعت على سارق : «لا تسبخي عنه بدعائك عليه» ، أي لا تخففي.
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) ، بالتوحيد والتعظيم ، (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) ، قال ابن عباس وغيره : أخلص إليه إخلاصا. قال الحسن : اجتهد. وقال ابن زيد : تفرغ لعبادته. وقال سفيان : توكل عليه توكلا. وقيل : انقطع إليه في العبادة انقطاعا ، وهو الأصل في الباب ، يقال : بتلت الشيء (١) أي قطعته ، وصدقه بتلة أي مقطوعة عن صاحبها لا سبيل له عليها ، والتبتيل : التقطيع تفعيل ، منه يقال : بتلته فتبتل ، والمعنى : بتل إليه نفسك ، ولذلك قال : تبتيلا. قال ابن زيد : التبتل رفض الدنيا وما فيها ، والتماس ما عند الله تعالى.
(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) ، قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو وحفص (رَبُ) برفع الباء على الابتداء ، وقرأ الآخرون بالجر على نعت الرب في قوله : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) ، (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) ، قيّما بأمورك ففوضها إليه.
(وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) (١٠) ، نسختها آية القتال.
(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (١١) إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً (١٢) وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً (١٣) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً (١٤) إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً (١٦) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (١٧) السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (١٨) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (١٩))
(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) (١١) ، نزلت في صناديد قريش المستهزئين. وقال مقاتل بن حيان : نزلت في المطعمين ببدر فلم يكن إلا يسير حتى قتلوا ببدر.
(إِنَّ لَدَيْنا) ، عندنا في الآخرة ، (أَنْكالاً) ، قيودا عظاما لا تنفك أبدا واحدها نكل. قال الكلبي : أغلالا من حديد ، (وَجَحِيماً).
__________________
[٢٢٨٥] ـ ضعيف. أخرجه أبو داود ١٤٩٧ وأحمد ٦ / ٤٥ من حديث عائشة ، وفي إسناده حبيب بن أبي ثابت مدلس ، وقد عنعن.
ـ وتقدم الكلام عليه ، وانظر «أحكام القرآن» ٢٢١٠ بتخريجي.
(١) في المطبوع «تبتلت».