(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) (٣٠) ، يلوم بعضهم بعضا في منع المساكين حقوقهم ونادوا على أنفسهم بالويل.
(قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) (٣١) ، في منعنا حق الفقراء. وقال ابن كيسان : طغينا نعم الله فلم نشكرها ولم نصنع ما صنع آباؤنا من قبل.
(عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٤١) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢))
ثم رجعوا إلى أنفسهم فقالوا : (عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) (٣٢) ، قال عبد الله بن مسعود : بلغني أن القوم أخلصوا وعرف الله منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها : الحيوان ، فيها عنب يحمل البغل منه عنقودا واحدا.
(كَذلِكَ الْعَذابُ) ، أي كفعلنا بهم نفعل بمن تعدى حدودنا وخالف أمرنا ، (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ).
ثم أخبر بما عنده للمتقين فقال : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (٣٤) ، فقال المشركون : إنا نعطي في الآخرة أفضل مما تعطون فقال الله تكذيبا لهم.
(أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) (٣٥) (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ) ، نزل من عند الله ، (فِيهِ) ، في هذا الكتاب ، (تَدْرُسُونَ) ، تقرءون.
(إِنَّ لَكُمْ فِيهِ) ، في ذلك الكتاب ، (لَما تَخَيَّرُونَ) ، تختارون وتشتهون.
(أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ) ، عهود ومواثيق ، (عَلَيْنا بالِغَةٌ) ، مؤكدة عاهدناكم عليها ، فاستوثقتم بها منا فلا تنقطع ، (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ) ، كسر (إِنَ) لدخول اللام في الخبر ذلك العهد ، (لَما تَحْكُمُونَ) لأنفسكم من الخير والكرامة عند الله.
ثم قال لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ) (٤٠) ، كفيل أي : أيهم يكفل لهم بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين.
(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ) ، أي عندهم شركاء الله أرباب تفعل هذا. وقيل : شهداء يشهدون لهم يصدق ما يدعونه. (فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ).
(يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) ، قيل : يوم ظرف لقوله فليأتوا بشركائهم أي فليأتوا بها في ذلك اليوم لتنفعهم وتشفع لهم (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) قيل : عن أمر فظيع شديد ، قال ابن عباس : هو أشد ساعة في القيامة. قال سعيد بن جبير : يوم يكشف عن ساق : عن شدة الأمر (١). وقال ابن قتيبة : تقول العرب للرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج فيه إلى الجد ومقاساة الشدة شمر عن ساقه ، ويقال : إذا اشتد الأمر في الحرب كشفت الحرب عن ساق.
__________________
(١) الصواب في ذلك ما جاء في الحديث الصحيح الآتي برقم ٢٢٦٣.