.................................................................................................
______________________________________________________
لا ينبغي القول بالتخيير فيه ، لعدم انحصار دليله فيها ، لأنّ في اعتبار الظواهر وجوها أو أقوالا ، أحدها : اعتبارها من باب الظنّ الشخصي. الثاني : اعتبارها من باب الظنّ النوعي. الثالث : اعتبارها من باب السببيّة والموضوعيّة ، أعني : التعبّد العقلائي.
والمتعيّن على الأوّل مع تكافؤ المتعارضين سندا هو الأخذ بما أفاد الظنّ بالمراد منهما ولو بالقرائن الخارجة ، وإلّا سقط كلّ منهما عن درجة الاعتبار.
وعلى الثاني هو الحكم بخروج كلّ منهما من الطريقيّة لأجل المعارضة والتزاحم ، وحينئذ وجب الرجوع إلى ما كان موجودا في موردهما من الاصول العمليّة. نعم ، إن كان الموجود فيه إطلاقا أو عموما يتقوّى به ظهور ما كان من المتعارضين موافقا له خرج معارضه خاصّة حينئذ من الحجّية. وبهذا الاعتبار يكون المطلق أو العامّ الموجود في موردهما مرجّحا للموافق له ، ولذا اعتبر المصنّف رحمهالله في كون المطلق مرجعا كون اعتبار أصالة عدم التقييد من باب التعبّد ، لأنّه مبنيّ على اعتبار المتعارضين من باب الظهور النوعي ، ومع اعتبار المطلق من باب التعبّد تختلف مرتبته مع مرتبتهما ، فلا يصلح المطلق حينئذ للترجيح.
وعلى الثالث هو الحكم بالتخيير ، كما هي قضيّة تزاحم السببين بحسب العقل ، كما سيجيء تحقيقه في خاتمة الكتاب. ولا ريب أنّ ثبوت التخيير حينئذ ليس كثبوته فيما دار الأمر فيه بين الاحتمالين ، كما في مورد دوران الأمر بين الوجوب والحرمة ، لأنّ حكم العقل بالتخيير هناك لأجل ثبوت التكليف بالواقع ، وعدم المناص من العمل ، مع عدم إمكان الاحتياط فيه ، وعدم الدليل على تعيين أحدهما بالخصوص ، فإذا فرض وجود دليل عامّ أو مطلق موافق لأحدهما يرتفع موضوع حكم العقل وهو التحيّر في مقام العمل ، بخلاف ما نحن فيه ، لأنّ حكم العقل بالتخيير فيه إنّما هو لأجل تزاحم الحجّتين وعدم المرجّح لإحداهما ، ولا ريب أنّ حكم العقل بالتخيير بينهما إنّما هو بوصف حجّيّتهما ، فمع اختيار أحدهما بكون المختار حاكما على إطلاق المطلق أو عموم العامّ.