المتيقّن من مدلول هذا الخطاب وجوب الأقلّ بالوجوب المردّد بين النفسي والمقدّمي ، فلا محيص عن الإتيان به ؛ لأنّ تركه مستلزم للعقاب ، وأمّا وجوب الأكثر فلم يعلم من هذا الخطاب فيبقى مشكوكا ، فيجئ فيه ما مرّ من الدليل العقلي والنقلي.
والحاصل أنّ مناط وجوب الاحتياط (١٧١٩) عدم جريان أدلّة البراءة في واحد معيّن من المحتملين ـ لمعارضته بجريانها في المحتمل الآخر ـ حتّى يخرج المسألة بذلك عن مورد البراءة ويجب الاحتياط فيها ؛ لأجل تردّد الواجب المستحقّ على تركه العقاب بين أمرين لا معيّن لأحدهما ، من غير فرق في ذلك بين وجود خطاب تفصيلي في المسألة متعلّق بالمجمل وبين وجود خطاب مردّد بين خطابين. فإذا فقد المناط المذكور وأمكن البراءة في واحد معيّن ، لم يجب الاحتياط من غير فرق بين الخطاب التفصيلي وغيره.
فإن قلت (١٧٢٠) : إذا كان متعلّق الخطاب مجملا فقد تنجّز التكليف بمراد الشارع من اللفظ ، فيجب القطع بالإتيان بمراده واستحقّ العقاب على تركه مع وصف كونه مجملا ، وعدم القناعة باحتمال تحصيل المراد واحتمال الخروج عن استحقاق العقاب. قلت : التكليف ليس متعلّقا بمفهوم المراد من اللفظ ومدلوله حتّى يكون من قبيل التكليف بالمفهوم المبيّن المشتبه مصداقه بين أمرين ، حتّى يجب الاحتياط فيه ولو كان المصداق مردّدا بين الأقلّ والأكثر نظرا إلى وجوب القطع بحصول المفهوم المعيّن المطلوب من العبد ، كما سيجيء في المسألة الرابعة. وإنّما هو
______________________________________________________
١٧١٩. ظاهره أنّ المناط فيه تعارض أصالة البراءة في طرفي العلم الإجمالي وتساقطهما لذلك. ولكن مختار المصنّف رحمهالله ـ كما صرّح به في المتباينين وغيره ـ أنّ المناط فيه عدم جريان أصالة البراءة في موارد العلم الإجمالي من رأس ، وأنّ مقتضى أخبار البراءة فيها إمّا جواز المخالفة القطعيّة ، وهو مناف للعلم الإجمالي ، أو وجوب الموافقة القطعيّة ، وهو المطلوب.
١٧٢٠. حاصل السؤال : منع ما تقدّم من عدم تأثير وجود الخطاب التفصيلي في الفرق بين المسألتين ، أعني : مسألتي إجمال النصّ وفقدانه ، لأنّه مع وجوده وإجمال