في كلّ خطاب تعلّق بأمر مجمل ؛ ولذا فرّعوا على القول بوضع الألفاظ للصحيح كما هو المشهور ، وجوب الاحتياط في أجزاء العبادات وعدم جواز إجراء أصل البراءة فيها.
وفيه : أنّ وجوب الاحتياط في المجمل المردّد بين الأقلّ والأكثر ممنوع ، لأنّ
______________________________________________________
لعلّ الوجه فيه أنّ حكم العقل بالبراءة إنّما هو لقبح العقاب بلا بيان ، والفرض هنا وصول البيان وإجمال متعلّق الخطاب لا يصلح للعذر بعد كشف الخطاب عن ثبوت متعلّقه في الواقع ، وتمكّن المكلّف من امتثاله ولو بالاحتياط ، بخلافه في المسألة السابقة ، لفرض عدم العلم هناك بوجود خطاب تفصيلي ، ومجرّد العلم بوجود أحد الخطابين في الواقع لا يصلح قاطعا للعذر ، لصدق عدم البيان معه ، ولذا فرّعوا على القول بالصحيح ـ كما هو المشهور ـ وجوب الاحتياط ، وعدم جواز التمسّك بأصالة البراءة عند الشكّ في الأجزاء والشرائط. مع ما تقدّم في المسألة السابقة من أنّ المشهور عند الشكّ فيهما مع كون الشبهة ناشئة من فقدان النصّ هي البراءة ، ووجه التوفيق بينهما هو ما ذكرناه من وجود الخطاب التفصيلي هنا ، بخلافه هناك.
وتوضيح ما أجاب به المصنّف رحمهالله أنّ مجرّد وجود الخطاب مع قطع النظر عن مدلوله لا يصلح فارقا بين المسألتين بلا ريب. وأمّا مع ملاحظة مدلوله فلا ريب في حصول العلم بمدلوله في المسألة السابقة أيضا ، لأنّ الفرض هناك حصول العلم بوجوب أحد الأمرين ، أعني : الأقلّ أو الأكثر. ولا شكّ أنّ قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ) على القول بالصحيح لا يزيد على هذا العلم شيئا ، فيرجع الفرق بين المسألتين إلى مجرّد وجود الخطاب اللفظي مع قطع النظر عن مدلوله وعدمه. ومع عدم تأثيره في الفرق بين المسألتين لا بدّ أن يلاحظ العلم الإجمالي الحاصل فيها ، وأنّه يصلح منشأ لوجوب الاحتياط أو لا ، وهو غير صالح لذلك كما قرّره المصنّف رحمهالله.