وأمّا ما استشهد به من فهم الأصحاب وما ظهر له بالتصفّح ، ففيه : أنّ ما يظهر للمتصفّح في هذا المقام أنّ العلماء لم يستندوا في الأصلين المذكورين (١٧٠٤) إلى هذه الأخبار. أمّا «أصل العدم» ، فهو الجاري عندهم في غير الأحكام الشرعيّة أيضا من الأحكام اللفظيّة كأصالة عدم القرينة وغيرها ، فكيف يستند فيه بالأخبار المتقدّمة؟
______________________________________________________
١٧٠٤. لا يخفى أنّ ظاهر كلام صاحب الفصول كون أصل العدم وعدم الدليل أصلا واحدا يعبّر عنه تارة بهذا واخرى بذلك ، بل كلامه في الفصول كالصريح في ذلك. وصريح المصنّف رحمهالله كونهما أصلين مختلفي السند ، وهو كذلك. فلاحظ نهاية العلامة ، لأنّه قدسسره عقد مبحثا في الاستدلال بعدم الوجدان على عدم الوجود ، وقال : وهذه الطريقة عوّل عليها بعض الفقهاء ، وتقريره : أنّ الحكم الشرعيّ لا بدّ له من دليل ، وهو إمّا نصّ أو إجماع أو قياس ، ولم يوجد واحد من هذه الثلاثة فلا يكون الحكم ثابتا. ثمّ عقد مبحثا آخر في تقرير أدلّة يمكن التمسّك بها في الأحكام الشرعيّة ، وقال : الحكم المطلوب إثباته إن كان عدميّا أمكن أن تذكر فيه عبارات. ثمّ ذكر له ثمان عبارات مختلفة المبنى ، والجامع بين هذه العبارات أصالة العدم.
وفي الوافية بعد أن ذكر أصالة النفي ـ أعني : أصالة البراءة ـ قال : اعلم أنّ هنا قسما من الأصل كثيرا ما يستعمله الفقهاء ، وهو أصالة عدم الشيء ، وأصالة عدم تقدّم الحادث ، بل هما قسمان. ثمّ ذكر بعد ذلك التمسّك بعدم الدليل وقال : فيقال : عدم الدليل على كذا ، فيجب انتفائه. ثمّ اختار فيه التفصيل بين ما يعمّ به البلوى وغيره.
ثمّ إنّ المستند لقاعدة عدم الدليل هو قضاء العادة بعد الفحص عن الدليل من مظانّه بوجوده لو كان موجودا في الواقع ، كما صرّح به كلّ من تعرّض لها وأمّا أصالة العدم فلم أر من صرّح بمستندها إلّا العلّامة ، لأنّه قد قرّرها بوجوه ، وأظهر لكلّ وجه وجها ضعيفا. ويمكن أن يكون المستند فيها استصحاب العدم ، أو بناء