وأضعف من ذلك : أنّه رحمهالله عدل ـ من أجل هذه الحكومة التي زعمها لأدلّة الاحتياط على هذه الأخبار ـ عن الاستدلال بها لمذهب المشهور من حيث نفي الحكم التكليفي إلى التمسّك بها في نفي الحكم الوضعي ، أعني جزئيّة الشيء المشكوك أو شرطيّته ، وزعم أنّ ماهيّة المأمور به تبيّن ظاهرا كونها الأقلّ بضميمة نفي جزئيّة المشكوك ، ويحكم بذلك على أصالة الاشتغال. قال في توضيح ذلك : إنّ مقتضى هذه الروايات : أنّ ماهيّات العبادات عبارة عن الأجزاء المعلومة بشرائطها المعلومة ، فيتبيّن مورد التكليف ويرتفع منها الإجمال والإبهام.
ثمّ أيّد هذا المعنى بل استدلّ عليه بفهم العلماء منها ذلك ، حيث قال : إنّ من الاصول المعروفة عندهم ما يعبّر عنه ب «أصالة العدم» ، و «عدم الدليل دليل العدم» ، ويستعملونه في نفي الحكم التكليفي والوضعي ، ونحن قد تفحّصنا فلم نجد لهذا الأصل مستندا يمكن التمسّك به غير عموم هذه الأخبار ، فتعيّن تعميمها للحكم الوضعي ولو بمساعدة أفهامهم ، فيتناول الجزئيّة المبحوث عنها في المقام (١٠) ، انتهى.
______________________________________________________
دلالة أخبار البراءة على عدم وجوب الأكثر وعدم ترتّب العقاب على تركه لا يبقى مجرى لقاعدة الاحتياط ، كما لو صرّح الشارع بعدم ترتّب العقاب من جهة احتمال وجوب الأكثر.
وأمّا الثالث فإنّ أخبار الاحتياط إن كان مقتضاها إثبات الوجوب الشرعيّ الظاهري ، فلما ذكره من حكومتها على أخبار البراءة وجه ، وقد أوضحه المصنّف رحمهالله في الشبهة التحريميّة من مسائل الشكّ في التكليف ، لأنّ مقتضى أخبار البراءة هي الإباحة الظاهريّة فيما لم يرد فيه بيان من الشارع خصوصا ولا عموما ، أو نفي العقاب في مورد عدم ثبوت التكليف ولو ظاهرا. وأخبار الاحتياط لعمومها بيان ، ومثبتة للوجوب الظاهري في مورد احتماله أو العلم به إجمالا. وإن كان مقتضاه الإرشاد إلى دفع العقاب المحتمل لما فيه من مصلحة المكلّف ، كان مؤدّاه موافقا لحكم العقل ، فتكون أخبار البراءة حينئذ حاكمة عليها. ومن هنا يظهر أنّ حكم المصنّف رحمهالله بحكومة أخبار الاحتياط عليها مبنيّ على ظاهر كلام من تمسّك