محتملات الواجب الواقعي بعد إثبات تنجّز التكليف ، وأنّه المؤاخذ به والمعاقب على تركه ولو حين الجهل به وتردّده بين متباينين أو الأقلّ والأكثر. ولا ريب أنّ ذلك الحكم مبناه وجوب دفع العقاب المحتمل على ترك ما يتركه المكلّف ، وحينئذ : فإذا أخبر الشارع ـ في قوله «ما حجب الله ...» وقوله «رفع عن أمّتي ....» وغيرهما ـ بأنّ الله سبحانه لا يعاقب على ترك ما لم يعلم جزئيّته ، فقد ارتفع احتمال العقاب في ترك ذلك المشكوك وحصل الأمن منه ، فلا يجري فيه حكم العقل بوجوب دفع العقاب المحتمل. نظير ما إذا أخبر الشارع بعدم المؤاخذة على ترك الصلاة إلى جهة خاصّة من الجهات لو فرض كونها القبلة الواقعيّة ، فإنّه يخرج بذلك عن باب المقدّمة ؛ لأنّ المفروض أنّ تركها لا يفضي إلى العقاب.
نعم ، لو كان مستند الاحتياط أخبار الاحتياط ، كان لحكومة تلك الأخبار على أخبار البراءة وجه أشرنا إليه في الشبهة التحريميّة من أقسام الشكّ في التكليف.
وممّا ذكرنا يظهر حكومة هذه الأخبار على استصحاب الاشتغال على تقدير القول بالأصل المثبت أيضا كما أشرنا إليه سابقا ؛ لأنّه إذا أخبر الشارع بعدم المؤاخذة على ترك الأكثر الذي حجب العلم بوجوبه ، كان المستصحب ـ وهو الاشتغال المعلوم سابقا ـ غير متيقّن إلّا بالنسبة إلى الأقلّ وقد ارتفع بإتيانه ، واحتمال بقاء الاشتغال حينئذ من جهة (*) الأكثر منفي (**) بحكم هذه الأخبار. وبالجملة : فما ذكره من حكومة أدلّة الاشتغال على هذه الأخبار ضعيف جدّا ، نظرا إلى ما تقدّم.
______________________________________________________
إلى منع جريان استصحاب الاشتغال في مورد جريان قاعدته ، كما أشار إليه المصنّف رحمهالله سابقا وفيما يأتي إن شاء الله تعالى.
وأمّا الثاني فإنّ قاعدة الاحتياط المستندة إلى العقل إن كان مقتضاها الدلالة على أنّ ما وجب في الواقع هو الأكثر دون الأقلّ ، كان لما ذكره وجه ، وليس كذلك ، لأنّ مبناها على حكم العقل بوجوب دفع العقاب المحتمل ، فإذا فرضت
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : كون الواجب هو.
(**) في بعض النسخ : بدل «منفى» ، ملقى.