من آثار عدم الوجوب والحرمة الواقعيّين حتّى يحتاج إلى إحرازهما بالاستصحاب ، بل يكفي فيه عدم العلم بهما ، فمجرّد الشكّ فيهما كاف في عدم استحقاق العقاب بحكم العقل القاطع. وقد أشرنا إلى ذلك عند التمسّك في حرمة العمل بالظنّ بأصالة عدم حجيّته ، وقلنا إنّ الشكّ في حجّيته كاف في التحريم ولا يحتاج إلى إحراز عدمها بالأصل.
وإن قصد به نفي الآثار المترتّبة على الوجوب النفسي المستقلّ ؛ فأصالة عدم هذا الوجوب في الأكثر معارضة بأصالة عدمه في الأقلّ ، فلا تبقى لهذا الأصل فائدة إلّا في نفي ما عدا العقاب من الآثار المترتّبة على مطلق الوجوب الشامل للنفسي والغيري.
ثمّ بما ذكرنا في منع جريان الدليل العقلي المتقدّم في المتباينين فيما نحن فيه ، تقدر على منع سائر ما يتمسّك (١٦٨٧) به لوجوب الاحتياط في هذا المقام ، مثل استصحاب الاشتغال بعد الإتيان بالأقلّ ومثل أنّ الاشتغال اليقيني يقتضي وجوب تحصيل اليقين بالبراءة ومثل أدلّة اشتراك الغائبين مع الحاضرين في الأحكام المقتضية لاشتراكنا ـ معاشر الغائبين ـ مع الحاضرين العالمين بالمكلّف به تفصيلا ومثل
______________________________________________________
والثالث قليل الجدوى ، بل غير مفيد في المقام ، لأنّ المقصود نفي وجوب الأكثر ، وهو على إطلاقه لا يثبت به ، بل الأوفق بالمقام هو الاحتمال الأوّل ، لأنّ المقصود من النزاع في وجوب الاحتياط وعدمه في المقام هو بيان ترتّب العقاب على ترك الأكثر على تقدير وجوبه في الواقع وعدمه ، لا إثبات سائر الآثار وعدمه ، ولذا ترى أنّ مرجع استدلال المصنّف رحمهالله بالعقل والنقل على عدم وجوب الأكثر إلى عدم ترتّب العقاب بفعل الأقلّ ، وإن كان الواجب في الواقع هو الأكثر ، لا نفي سائر الآثار ، لعدم إفادة دليله أزيد من ذلك ، فتدبّر.
١٦٨٧. اعلم أنّه قد ظهر ممّا حقّقه في إثبات ما اختاره وجهان آخران للقول بالاحتياط. أحدهما : بناء العقلاء في الأوامر العرفيّة وأوامر الأطبّاء. والآخر : الدليل الجاري في المتباينين. ويظهر وجه ثالث أيضا عند تقرير الاحتجاج بأخبار البراءة ، وهو أخبار الاحتياط. وسيشير إلى ضعف دلالتها.