المسألة الثانية : إذا دار الأمر بين الوجوب والحرمة من جهة إجمال الدليل إمّا حكما ، كالأمر المردّد بين الايجاب والتهديد أو موضوعا ، كما لو أمر بالتحرّز عن أمر مردّد (١٤٣٧) بين فعل الشيء وتركه ، فالحكم فيه كما في المسألة السابقة.
المسألة الثالثة : لو دار الأمر بين الوجوب والتحريم من جهة تعارض الأدلّة فالحكم هنا : التخيير ؛ لإطلاق ادلّته ، وخصوص بعض منها الوارد في خبرين أحدهما أمر والآخر نهي ، خلافا للعلامة رحمهالله في النهاية وشارح المختصر (٢) والآمدي ، فرجّحوا ما دلّ على النهي لما ذكرنا (١٤٣٨) سابقا ، ولما هو أضعف منه. وفي كون التخيير هنا بدويّا أو استمراريّا مطلقا أو مع البناء من أوّل الأمر على الاستمرار؟ وجوه تقدّمت ، إلّا أنّه قد يتمسّك هنا للاستمرار بإطلاق الأخبار.
ويشكل بأنّها مسوقة لبيان حكم المتحيّر في أوّل الأمر ، فلا تعرّض لها لحكمه
______________________________________________________
الفرار منها ، لعدم ترتّب ثمرة على الالتزام بأحد الاحتمالين مع جواز الالتزام بالآخر حين الالتزام به ، بخلاف التخيير بين خبرين أحدهما موجب والآخر حاظر ، لأنّ ثمرته تظهر في قصد امتثال الأمر أو النهي الملتزم به ، مع أنّ التخيير فيه شرعيّ ، ولعلّ الشارع قد لاحظ فيه مصلحة وإن لم نعلمها تفصيلا.
وأنت خبير بأنّ هذا الإيراد غير وارد على المصنّف رحمهالله ، لأنّه إنّما قال بالتخيير على تقدير قيام دليل على وجوب الأخذ بأحدهما في الجملة. وحاصله : أنّه بعد فرض بطلان القول بالإباحة الظاهريّة ، والقول بالتوقّف ، وفرض وجود دليل على وجوب الأخذ بأحدهما ، فمقتضى القاعدة هو التخيير الاستمراري ، لعدم الدليل على التخيير البدوي. نعم ، يرد عليه ذلك لو قال بكون ذلك مقتضى القاعدة أوّلا وبالذات فيما دار الأمر فيه بين الوجوب والتحريم ، وليس كذلك كما عرفت.
١٤٣٧. كاللفظ الموضوع لفعل وتركه.
١٤٣٨. من الوجوه الخمسة.