لكن حكم العقل بوجوب دفع الضرر المتيقّن إنّما هو بملاحظة نفس الضرر الدنيوي من حيث هو ، كما يحكم بوجوب دفع الضرر الاخروي كذلك ، إلّا أنّه قد يتّحد مع الضرر الدنيوي عنوان يترتّب عليه نفع اخروي ، فلا يستقلّ العقل بوجوب دفعه ؛ ولذا لا ينكر العقل أمر الشارع بتسليم النفس للحدود والقصاص ، وتعريضها له في الجهاد والإكراه على القتل أو على الارتداد. وحينئذ فالضرر الدنيوي المقطوع يجوز أن يبيحه الشارع لمصلحة ، فإباحته للضرر المشكوك لمصلحة الترخيص (١٢٨٩) على العباد أو لغيرها من المصالح أولى بالجواز (*).
فإن قلت : إذا فرضنا قيام أمارة غير معتبرة على الحرمة ، فيظنّ الضرر ، فيجب دفعه مع انعقاد الإجماع على عدم الفرق بين الشكّ والظنّ الغير المعتبر. قلنا : الظنّ بالحرمة لا يستلزم الظنّ بالضرر ، أمّا الاخروي ، فلأنّ المفروض عدم البيان ، فيقبح. وأمّا الدنيوي ، فلأنّ الحرمة لا تلازم الضرر الدنيوي ، بل القطع بها أيضا لا يلازمه ؛ لاحتمال انحصار المفسدة فيما يتعلّق بالامور الاخرويّة. ولو فرض حصول الظنّ بالضرر الدنيوي فلا محيص عن التزام حرمته كسائر ما ظنّ فيه الضرر الدنيوي من الحركات والسكنات.
وينبغي التنبيه على امور : الأوّل : أنّ محلّ الكلام في الشبهة الموضوعيّة المحكومة بالإباحة ما إذا لم يكن هناك أصل موضوعي يقضي بالحرمة ؛ فمثل المرأة المردّدة بين الزوجة والأجنبيّة خارج عن محلّ الكلام ؛ لأنّ أصالة عدم علاقة الزوجيّة المقتضية
______________________________________________________
القطع به ، وإلّا فمطلق الضرر الدنيوي لا يحكم العقل بوجوب دفع المقطوع منه فضلا عن المشكوك فيه.
١٢٨٩. يعني : مصلحة تسهيل الأمر على العباد في إباحة محتمل الحرمة ، وإلّا فنفس الترخيص ليس بمصلحة في إباحة الارتكاب.
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : هذا تمام الكلام فى هذا المقام ، وقد تقدّم الاستدلال على حجيّة ظنّ بلزوم دفع الضرر المظنون ما يمنع نقضا وإبراما ، فراجع.