ثمّ إنّ انحصار موارد الاشتباه في الاصول الأربعة عقلي (١٠٩٦) ،
______________________________________________________
أحكام جزئيّة فهي داخلة في الفقه دون الاصول ، مثل قاعدة البراءة والاشتغال والطهارة بالنسبة إلى إجرائها في الموضوعات الخارجة. وكذا قاعدة الشكّ بعد الفراغ ، وقاعدة حمل فعل المسلم على الصحّة ، ونحوها. ولكنّك خبير بأنّ مقتضى هذا الوجه كون قاعدة الطهارة من الاصول إذا أثبتت طهارة موضوع كلّي ، وهو خلاف ظاهرهم. وقد أوضحنا الكلام في ذلك في محلّ آخر.
١٠٩٦. لدوران الأمر فيها بين النفي والإثبات. وقد أسلفنا ما يتعلّق بذلك وبتقسيم الاصول إلى الأربعة عند شرح ما يتعلّق بصدر الكتاب ، ونقول هنا :
إن قلت : كيف تدّعي دوران الأمر بين الأربعة المذكورة مع أنّ في الشرع اصولا أخر لم يبحثوا عنها في الاصول ، مثل أصالة الطهارة المستفادة من قوله عليهالسلام : «كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر»؟ فما وجه الحصر المذكور؟ وما السّر في عدم بحثهم عنها هنا؟
قلنا : إنّ ما ذكره المصنّف رحمهالله من الحصر ناظر إلى ظاهر كلمات الفقهاء ، حيث إنّ ظاهرها كون الاصول الأربعة من الأدلّة الاجتهاديّة ، لأنّهم قد اعتبروا أصالتي البراءة والاستصحاب من أسباب الظنّ الذي مستنده العقل ، ولذا لم يتمسّك أحد منهم في إثباتهما ـ إلى زمان والد شيخنا البهائي رحمهالله ـ بالأخبار ، وهو رحمهالله قد تمسّك في بعض كلماته في إثبات اعتبار الاستصحاب بالأخبار ، وتبعه من تأخّر عنه. واعتبروا أصالتي الاشتغال والتخيير من باب حكم العقل ، نظير حكمه بوجوب ردّ الوديعة وقبح الظلم ، بخلاف أصالة الطهارة ، فإنّها قاعدة مستفادة من الشرع خاصّة. نعم ، قد تمسّك الفاضل في بعض كتبه في تأسيس أصالة الطهارة بالأدلّة الأربعة ، نظرا في دلالة العقل إلى اقتضاء قاعدة اللطف من حيث رفع المشاقّ عن العباد لخلق الماء طهورا. ولكنّه ضعيف كما قرّر في محلّه.