الحقائق العلمية
التي ضم عليها ، شأنه في هذا شأن كل كتاب علمي ، يمتص الناس الذين يستقبلونه لأول
مرة كل عصارة فيه ، ثم يطرحونه وراءهم ، لا يكادون يلتفتون إليه ، ولا يكاد من
بعدهم ينظر فيه ، وهو مشغول بالعلم الجديد الذي ولد بعد هذا العلم ..
وليس هذا شأن كتاب
أراده الله تعالى ليكون مبعث هدى ونور ، ومائدة غذاء دائم للعقول والقلوب ، على
امتداد الحياة الانسانية ..
ولهذا كانت آيات
هذا الكتاب محملة بهذا الاشعاع الرباني الذي لا يخبو أبدا ، والذي كلما ورد عليه
الانسان وجد خيرا جديدا ، وزادا عتيدا لمدركاته ومشاعره.
نقول مع إيماننا
بأن القرآن الكريم لم يكن كتابا علميا ، فإنه قد تحدث كثيرا عن الطبيعة ، ومظاهر
الكون ، في الأرض وفي السماء لتوجيه الأنظار إليها ، ولفت العقول نحوها ، ليشهد
الانسان في هذا الوجود عظمة خالقه وقدرته ، وليرى في عوالم الكون آيات من علم الله
وقدرته.
وذلك لا يكون إلّا
إذا وقف الانسان إزاء هذا الكون وقفة الباحث الدارس المتأمل ، حيث تؤدي به هذه
الوقفة إلى كشف أسرار تغريه بمتابعة السير في هذا الطريق المليء بالعجائب والغرائب
، وفي هذا يقول الله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ
لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) .
وهذا القرآن الذي
أراد الله له الخلود ، لا يتصور أن يأتي يوم يصل فيه العلم إلى حقيقة تتعارض مع أي
حقيقة من حقائقه. فالقرآن كلام الله ، والكون عمل الله ، وكلام الله وعمله لا
يتناقضان أبدا ، بل يصدّق أحدهما الآخر ، ولهذا جاءت الحقائق العلمية مصدقة لما
سبق به الكتاب تحقيقا لقول الله سبحانه : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا
فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ
يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) .
__________________