النفس ، فكيف يمكن توضيح هذه الحقيقة الغيبية بالبيانات الإنسانية العادية؟! لذا كان السكوت هو الموقف الطبيعي لمريم عليهاالسلام ، ولا بدّ لتوضيح هذه الحقيقة من معجزة إلهية وحجّة غيبية.
النبوّة :
٦ ـ وقد كان الملك والروح قد أخبرها عند بشارتها بالمسيح عيسى عليهالسلام :
أنّه (... يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ)(١) ، ومن هنا أشارت مريم عليهاالسلام إلى وليدها وهي ملتزمة بنذرها ، فكان ذلك سببا آخر للإثارة والاستغراب والاستنكار.
(فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا)(٢)؟!
وعند ما بلغ الاستنكار مداه ، وظواهر الاستغراب أقصاها ، كانت المفاجأة ، وكانت الآية ، وكانت المعجزة الإلهيّة التي يجسدها القرآن الكريم :
(قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا* وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا* وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا)(٣).
كلام كلّه غيب وأخبار عن الكمالات الإلهيّة التي أودعها الله ـ تعالى ـ في عيسى عليهالسلام ، تتحدث عن صفات وأعمال ومقامات لا يمكن لهؤلاء الناس أن يدركوها بحواسهم ، أو يعرفوا حقيقتها في وقت سماعها ، ولكنّه في الوقت نفسه كلام
__________________
(١) آل عمران : ٤٦.
(٢) مريم : ٢٩.
(٣) مريم : ٣٠ ـ ٣٣.