مقرون بأبلغ حجّة على صحته ، وأوضح آية ودليل وبرهان على واقعيته هو : أنّ الذى ينطق بهذا الكلام هو هذا الصبي الصغير حديث الولادة الذي لا زال يلازم المهد ، إذن فوجوده ـ بغير أب ـ من ام طاهرة زكية مصطفاة ، وفي بيت طاهر ، هو أمر غيبي وبتدخل إلهي مباشر ، وهذا ما فهمه الناس والقوم ، فعرفوا طهارة الولادة وحقيقتها ونبوّة المولود الجديد ، فانقطعت الحجة الظاهرة لهؤلاء القوم ، ولم يكن أمامهم إلّا الخضوع لقبول هذه الحقيقة (١).
خصائص هذه المرحلة :
تتميز هذه المرحلة من حياة عيسى عليهالسلام بعدة ميّزات :
الاولى : هي تصوير قضية الاصطفاء لعيسى عليهالسلام في اصولها وجذورها الإنسانية المعنوية من خلال ربط هذا الاصطفاء بسلسلة الاصطفاء الإلهي للإنسان : في آدم ، والاصطفاء الإلهي للأنبياء من بني الإنسان في نوح ، والاصطفاء للآل ، والبيوتات من الناس في آل ابراهيم ، ومن ثمّ آل عمران.
فالاصطفاء قانون إلهي يسير وفق نظام غيبي في هذا الكون ، وقد يكون
__________________
(١) في الحديث ورد أنّ السّلام في هذه المواطن لأنّها أشد المواطن على الانسان ، عن ياسر الخادم قال : سمعت الرضا عليهالسلام يقول : «إنّ أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن : يوم يولد فيخرج من بطن امّه فيرى الدنيا ، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها ، ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا ، وقد سلّم الله على يحيى عليهالسلام في هذه الثلاثة المواطن ، وآمن روعته فقال : (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) وقد سلّم عيسى بن مريم على نفسه في هذه الثلاثة فقال : (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا)». البحار ١٤ : ٢٤٦ ، حديث ٢٦.