والكرامات الإلهيّة الواضحة ، جاءت مريم بولدها الذي كان الله ـ سبحانه ـ قد سمّاه بالمسيح عيسى تحمله إلى قومها ، فكان التعجب والاستغراب والاستنكار من قومها : امرأة لها سابقة الزهد والعبادة ، والالتزام بالمسجد ، والاحتجاب عن الناس ، والرعاية الصالحة من زكريا ، وابنة البيت المصطفى من الله (آل عمران) لم يكن أبوها امرأ سوء ، ولا كانت أمّها بغيا إذا بها تأتي بمولود لها تحمله على يدها دون زواج أو سابقة سوء في تاريخها ، ولا بغي وإثم في سلوكها!! فهذا شيء فري عظيم الابتداع ، ومنكر قبيح لا ينسجم ، ومخالف للواقع الذي كانت تعيشه هذه المرأة.
(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ [أَنَّى لَكِ هذا؟!] لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا* يا أُخْتَ هارُونَ (١) ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا.)(٢)
(إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ)(٣).
لقد كانت حجّة قومها في ظاهر الحال قوية لا سبيل لمريم في الدفاع عن
__________________
(١) ورد في تفسير تسمية قومها لها ب (اخت هارون) احتمالات أربع :
أحداها : أنّ هارون هذا كان رجلا صالحا في بني إسرائيل ينسب إليه كلّ من عرف بالصلاح ، وقيل : إنّه لمّا مات شيع جنازته أربعون ألفا كلّهم يسمّى هارون ، فقولهم : يا اخت هارون معناه : يا شبيهة هارون في الصلاح ما كان هذا معروفا منك.
ثانيها : أنّ هارون أخو موسى عليهالسلام ، فنسبت إليه ؛ لأنّها من ولده كما يقال : يا أخا تميم.
ثالثها : أنّ هارون كان أخاها لأبيها ليس من أمها ، وكان معروفا بحسن الطريقة.
رابعها : أنّه كان رجلا فاسقا مشهورا بالعهر والفساد ، فنسبت إليه ، وقيل لها : يا شبيهته في قبح فعله. مجمع البيان ٣ : ٥١٢.
(٢) مريم : ٢٧ ـ ٢٨.
(٣) آل عمران : ٣٣.