لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨) وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ
____________________________________
بكم (لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) إذ أهلككم فأستريح منكم ، لكن ذلك بإذن الله ومشيئته (وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) وبمقتضى عمله يقدم العذاب تارة ويؤخره أخرى.
[٦٠] وحيث ذكر علمه سبحانه بالظالمين يأتي السياق ليذكر الكافرين بعلمه سبحانه وقدرته وأعماله ، في أنفسهم وفي الآفاق ، إنها أقوى الأدلة على وجوده وسائر صفاته الكلامية ، وهل من حاجة بعدها إلى الخوارق التي كانوا يقترحونها لإثبات كلامه صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَعِنْدَهُ) أي عند الله سبحانه (مَفاتِحُ) جمع «مفتح» بمعنى المفتاح (الْغَيْبِ) أي ما غاب عن الحواس والمشاعر ، فكأن الغيب قد سدّت أبوابه وأقفلت فلا يتمكن الإنسان أن يرى ما ورائها ، وليس بيد أحد مفاتيح تلك الأبواب ليفتحها ويرى الغيب ، وإنما هي بيد الله سبحانه وحده ، فهو الذي يعلم الغيب كله ويتمكن أن يفتح تلك الأبواب لمن أراد من خلقه ، كما قال : (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) (١) ، (لا يَعْلَمُها) أي لا يدري ما هي تلك المفاتيح (إِلَّا هُوَ) أي إلّا الله سبحانه ، وحيث أن كشف الغيب يحتاج إلى العلم بالكشف والقدرة على الكشف ، وكان المقام مقام بيان عمله سبحانه ، قال سبحانه «لا يعلمها» فلا يقال أن الأنسب أن يقول : «لا يقدر عليها» لا أن يقول «لا يعلمها». فالأرزاق والآجال وما أشبههما ، التي تأتي في المستقبل ، لا يعلمها إلّا الله سبحانه (وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ
__________________
(١) الجن : ٢٧ و ٢٨.