وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤)
____________________________________
أعدائهم (وَلَقَدْ جاءَكَ) يا رسول الله (مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) أي بعض أخبار الرسل السّابقين كيف نصرناهم على أعدائهم.
[٣٦] ثمّ بيّن سبحانه أنّ هؤلاء الكفّار لا يؤمنون فلا تتعب نفسك لأجلهم ، ولا تحزن. وهنا نكتة بلاغيّة لا بأس ببيانها ، وهي أنّ الألفاظ والجمل وضعت للمعاني الخاصّة ، لكنّها كثيرا ما تستعمل لإنشاء مفهومها الموضوع له ، لكن يراد غير ذلك ، كما يستعمل الاستفهام والتعجّب بالنّسبة إليه سبحانه ، مع العلم أنه لا يجهل شيئا ، ولا يتعجب من شيء ، وإنما استعمال الاستفهام والتعجب بداعي التحريض أو الردع أو نحوهما ، وهكذا الخطاب الغليظ أو الرقيق لأحد ، قد يراد به المعنى الموضوع له ، وقد يراد به داع آخر يفرغ في مثل هذا القالب ، فإنك إذا أردت تنبيه أحد من جيرانك ، تغلظ لولدك في الخطاب مع أنك لا تريده بالذات ، فمثلا تقول : «لو أنك ألقيت النفاية بباب الدار لحبستك» فإنك لا تريده بل تنشئ هذا الكلام بداعي زجر الجار عن القيام بمثل هذا العمل ، بل قد يكون عمل يستفاد منه شيء ـ حسب المتعارف ـ يأتي به الإنسان لغرض آخر ، كما لو أردت تأديب ولدك لما اقترفه من عمل سيئ ، فإنك تعمل إلى خادمك وترفسه برجلك ـ في هدوء ـ قائلا : لماذا فعلت هذا الفعل ، وإنك لا تريده إطلاقا ، وإنما تريد إفهام ولدك أن هذا العمل له هذا الجزاء.
وعلى هذا الوجه جرى الكلام في هذه الآية الكريمة (وَإِنْ كانَ كَبُرَ) إنه سبحانه يريد بيان غلظة قلوب الكفار وعنادهم ، لكنه يصوغه في أسلوب خطاب للنبي ، بأنك توسلت بكل الوسائل من الصعود في السماء ، وجعل النفق في الأرض ـ مما يتوسل الناس بهما في مآربهم ـ