أَفَلا تَعْقِلُونَ (٣٢) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ
____________________________________
للمتقين ، أما غيرهم فالدنيا خير لهم. ولذا ورد : «إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» (١) (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أيها البشر ، فإن من عقل وأدرك علم أن الباقي السرمدي الذي لا يشوبه حزن وهمّ خير من الفاني الممزوج بأنواع المصائب والرزايا.
[٣٤] ثم سلّى سبحانه نبيه على تكذيبهم إياه وعدم انصياعهم لأوامره وإرشاده بقوله : (قَدْ نَعْلَمُ) يا رسول الله ، و «قد» تستعمل في المضارع للتحقيق إلّا أن الغالب أنها فيه للتقليل (إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) مما ينسبونه إليك من أنك شاعر وكاهن ومجنون ، وما أشبه ذلك من السباب والاستهزاء الذي كانوا يكيلونه للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم (فَإِنَّهُمْ) أي الكفار (لا يُكَذِّبُونَكَ) يا رسول الله في قرارة نفوسهم ، لعلمهم أنك صادق ، وهذا نوع من التسلية إذ الإنسان إذا علم أن عدوه يجلّه في قرارة نفسه ، كان ذلك سلوة له لما علمه من الاحترام الكامن.
قالوا التقى الأخنس بن شريف وأبو جهل بن هشام فقال الأخنس : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس هاهنا أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا فقال أبو جهل : ويحك! والله إن محمدا لصادق وما كذب قط ، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والندوة والنبوة فما ذا يكون لسائر قريش؟ فنزلت هذه الآية.
__________________
(١) وسائل الشيعة : ج ١٦ ص ١٧.