فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ
____________________________________
(فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ) وأزلنا البلاء الذي توجّه إليه (مَرَّ) في طريقه السابق ، بدون أن يغيره إلى طريق الدين والحق (كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) كأن لم يسألنا إزالة ضره ، فهو لا يعرف الرب بعد إزالته. إنه يمرّ بدون أن يتوقف ليشكر ، أو يتذكر ، أو يعتبر ، (كَذلِكَ) بمثل هذه الطبيعة المنحطّة التي تتضرّع إلى الله في الضراء ، وتنساه في السراء (زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) إن المسرفين الذين أسرفوا في الحياة الدنيا والركون إليها ، ولم يجعلوا للآخرة خط رجعة إليها ، لو وقفوا وتأملوا وشكروا ، ارتدعوا عن أعمالهم الباطلة ، لكنهم يمرّون بلا شكر وتدبّر ، ولذا زيّن الشيطان في نظرهم قبح أعمالهم ، فإن الإنسان إذا تدبر عرف الحسن من القبيح ، أما إذا ركب هواه وسار لا يلوي على شيء ، لا يرى أعماله القبيحة إلا حسنة.
[١٤] فما ذا كانت عاقبة المسرفين؟ إن السياق يستعرضها بالنسبة إلى الأمم السابقة ، لتعتبر هذه الأمة (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ) جمع «قرن» ، وهو أهل كل عصر ، سموا بذلك لمقارنة بعضهم لبعض ، ومنه «القرن» بمعنى الشجاع المقابل لأنه مثل الشجاع الآخر (مِنْ قَبْلِكُمْ) بأنواع العذاب (لَمَّا ظَلَمُوا) أنفسهم وغيرهم ، وأسرفوا في الركون إلى الدنيا (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي الحجج والأدلة ، فإن الهلاك إنما