عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (٤٣)
____________________________________
ومن البلاغة أن يوجه الإنسان العتاب إلى أحد وهو يريد إفهام غيره ، فإذا ألحّ الشخص المتظاهر بالفقر ، فأشرت إلى ولدك بإعطائه المال ، تقول له ـ معاتبا ـ وأنت تريد إفهام الآخذ : لم أعطيته المال؟ مع أن إعطاءه كان بأمرك ولكنك تريد توبيخ الآخذ بصورة بليغة ، وهذا كما يظهر في الكلام يظهر في العمل ، فقد تأخذ بيد الولد لتقصيره أمام الآخذ مظهرا غضبك عليه ، تريد إفهام الآخذ بسوء صنيعه في الأخذ ، كما تقدم في قصة موسى وهارون عليهماالسلام.
وهذا هو المعنى من قول الإمام الرضا عليهالسلام في جواب أسئلة المأمون عن عصمة الأنبياء. وأنه كيف قال للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : «عفا الله عنك ..» ، هذا مما نزل ب «إياك أعني واسمعي يا جارة» (١).
(عَفَا اللهُ عَنْكَ) يا رسول الله. إنه لا يريد أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم فعل خلاف الأولى ، حتى يستحق العفو أو العتاب ، بل يريد إفهام المتخلفين أنهم فعلوا فعلا قبيحا حتى إن الإذن لهم في القعود يستحق العفو (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) في البقاء وعدم الخروج إلى الجهاد (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) في أنهم لا يستطيعون الخروج (وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) أي حتى تعلم وتميّز بين الصادق والكاذب ، وقد كان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم يميّز ويعلم ، كيف وأحدنا يعلم الصادق والكاذب من أصحابه وأصدقائه؟ لكن هذا الكلام لتنبيه المتخلفين الكاذبين ، وأنه عرف كذبهم وسوء قصدهم.
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ١١ ص ٨٣.