هذا ولا يخفى عليك
أنّ إعجاز القرآن لا ينحصر بألفاظه وظواهره ، بل في رموزه وإشاراته ولطائفه
وحقائقه ، ففي كلّ سورة بحار من المعارف ، وتتجلّى في كل آية منه أنوار من الحقائق
والهدايات ، وكيف لا يكون كذلك وقائله عزوجل لا نهاية لعلمه وكماله ، ولا حد لعظمته وجلاله ، وما حصل
من التحديدات إنّما هو من مقتضيات الاستعدادات لطفا بالعباد ، لا أن يكون تحديدا
منه.
وربّما يتوصّل من
يراجع مختلف أنحاء التفاسير أنّه فسّر كلّ صنف من العلماء القرآن بما هو المأنوس
عندهم ، فالفلاسفة والمتكلّمون فسّروه بمذاهبهم من الآراء الفلسفيّة والكلاميّة ،
والعرفاء والصوفيّة على طريقتهم ، والفقهاء فسّروا ما يرتبط بغرضهم في فقه الأحكام
والمسائل ، والمحدّثون فسّروه بخصوص ما ورد من السنّة الشريفة من الآيات ، كما أنّ
الأدباء فسّروه من زاويتهم الأدبيّة ، وهكذا أهل المعارف والعلوم الإنسانيّة
والطبيعيّة.
ومع كلّ ذلك يظهر
العجب في أنّه كلّما كثر في هذا الوحي المبين والنور العظيم من هذه البيانات
والتفاسير فهو على كرسي رفعته لا ينقص ، وجماله يزداد على مر العصور تلألؤا وجلالا
، فما نجده من مزايا وخصوصيّات لبعض التفاسير إنّما هي قضيّة نسبيّة تعتمد على
ذكاء المفسّر وسعة اطّلاعه وطول باعه في العلوم المختلفة ، وهذا ما امتاز به
الإمام الشيرازي (قدسسره) ؛ إذ له في كلّ فنّ معرفة ، وله في مختلف مجالات
الثقافة والفكر رؤية ومنهج ، ومن هنا كانت له إشراقات وإلماعات ربّما لم يصل إليها
قبله مفسّر أو يسبقه إليها ذهن عالم أو أديب ، كما ستجد ذلك جليّا من خلال مطالعتك
لهذا السفر القيّم.