لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦)
____________________________________
بالأسباب الطبيعية بما وراء المادة والإحساس. مع أن الموت والقتل لا يكونان إلا بتقدير وقضاء وليس يفيد في ذلك البقاء ، وفي هذا رد لإرجاف المنافقين الذين كانوا يلقون تبعة قتل المؤمنين في أحد على النبي وأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أخرجهم فقتلوا ، ومعنى القضاء والقدر في الأمور التكوينية : التخطيط وتهيئة الأسباب ، فكما أن المهندس الذي يريد بناء دار يخطط شكل الدار المراد بنائها ثم يحضر مواد البناء من آجر وجص وحديد وخشب ، كذلك ما في العالم من الأمور التكوينية خططت وعلمها الله سبحانه وأحضرت موادها. لكن ليس معنى ذلك أن الأمور خارجة عن أيدي البشر وإنما جعل الدعاء والصدقة والأسباب الظاهرة مستثنيات للتخطيط والآلات والأسباب وكل ذلك أيضا بعلمه سبحانه ، وعلى كلّ فليس الموت والقتل مما يكون سببهما السفر والغزو كما زعمه الكفار بل هناك أسباب خفية تدير هذين الأمرين إلى جنب الأسباب الظاهرية ، فليس كل سفر وغزو موجبا للموت كما ليس كل إقامة موجبا للبقاء ، والكفار إنما قالوا ذلك يريدون تثبيط الناس عن الجهاد (لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ) الاعتقاد ـ المفهوم من الكلام ـ (حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) لما حصل لهم من الخيبة حيث رأوا رجوع إخوانهم من السفر والجهاد بالربح والظفر ، ومن الطبيعي أن يحزن ويخسر الشخص الجامد لما ناله الشخص المتحرك من الخير والتقدم المحتومين ، واللام في «ليجعل» إما لام الأمر ، لبيان التأكيد ، أو لام العاقبة ، أي كانت عاقبة هذا الاعتقاد الحسرة والحزن (وَاللهُ يُحْيِي) الأرض والجماد والإنسان (وَيُمِيتُ) فليس السفر والغزو تمام سبب الموت (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فارغبوا في الطاعة