(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ) (٦٨)
رجلا موسرا اسمه عاميل قتله بنو عمّه ليرثوه ، وطرحوه على باب مدينة ، ثم جاؤوا يطالبون بديته ، فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها ليحيى فيخبرهم بقاتله ، (قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) أتجعلنا مكان هزء ، أو أهل هزء ، أو الهزء نفسه لفرط الاستهزاء. هزأ بسكون الزاي والهمزة حمزة ، وبضمتين والواو حفص ، غيرهما بالتثقيل والهمزة (قالَ أَعُوذُ بِاللهِ) العياذ واللياذ من واد واحد ، (أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) لآنّ الهزء في مثل هذا من باب الجهل والسّفه ، وفيه تعريض بهم ، أي أنتم جاهلون حيث نسبتموني إلى الاستهزاء.
٦٨ ـ (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) سؤال عن حالها وصفتها لأنّهم كانوا عالمين بماهيتها (١) ، لأنّ ما وإن كانت سؤالا عن الجنس ، وكيف عن الوصف ، ولكن قد تقع ما موقع كيف ، وذلك أنّهم تعجبوا من ميتة يضرب ببعضها ميت فيحيى ، فسألوا عن صفة تلك البقرة العجيبة الشان ، وما هي خبر ومبتدأ ، (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ) مسنة ، وسميت فارضا لأنّها فرضت سنّها أي قطعتها وبلغت آخرها ، وارتفع فارض لأنّه صفة لبقرة ، وقوله : (وَلا بِكْرٌ) فتيّة عطف عليه ، (عَوانٌ) نصف (بَيْنَ ذلِكَ) بين الفارض والبكر ، ولم يقل بين ذينك مع أنّ بين يقتضي شيئين فصاعدا لأنّه أراد بين هذا المذكور ، وقد يجري الضمير مجرى اسم الإشارة في هذا ، قال أبو عبيدة (٢) : قلت لرؤبة (٣) في قوله :
فيها خطوط من سواد وبلق |
|
كأنّه في الجلد توليع البهق (٤) |
إن أردت الخطوط فقل كأنّها ، وإن أردت السواد والبلق فقل كأنّهما ، فقال أردت كأنّ ذاك (فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ) أي تؤمرونه بمعنى تؤمرون به أو أمركم بمعنى مأموركم تسمية للمفعول بالمصدر كضرب الأمير.
__________________
(١) في (أ) و(ظ) بمايتها.
(٢) أبو عبيدة : هو معمر بن المثنى من أئمة العلم بالأدب واللغة ولد عام ١١٠ ه وتوفي عام ٢٠٩ ه (الأعلام ٧ / ٢٧٢).
(٣) رؤبة : هو رؤبة بن العجاج بن رؤبة ، أبو الجحّاف أو أبو محمد من الفصحاء المشهورين كان أعيان اللغة يحتجون بشعره مات عام ١٤٥ ه (الأعلام ٣ / ٣٤).
(٤) في (أ) بهق.