(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٢٩)
وإلزامه أنفسهم ، ويجوز أن يكون بمعنى توثقته ، كما أنّ الميعاد بمعنى الوعد ، أو لله تعالى أي من بعد توثقته عليهم ، ومن لابتداء الغاية (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) هو قطعهم الأرحام وموالاة المؤمنين ، أو قطعهم ما بين الأنبياء من الوصلة والاجتماع على الحقّ في إيمانهم ببعض وكفرهم ببعض. والأمر طلب الفعل بقول مخصوص على سبيل الاستعلاء ، وما نكرة موصوفة أو بمعنى الذي ، وأن يوصل في موضع جر بدل من الهاء أي بوصله ، أو في موضع رفع أي هو أن يوصل (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بقطع السبيل والتعويق عن الإيمان (أُولئِكَ) مبتدأ (هُمُ) فصل ، والخبر (الْخاسِرُونَ) أي المغبونون حيث استبدلوا النقض بالوفاء ، والقطع بالوصل ، والفساد بالصلاح ، والعقاب بالثواب.
٢٨ ـ (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) معنى الهمزة التي في كيف مثله في قولك أتكفرون بالله ومعكم ما يصرف عن الكفر ويدعو إلى الإيمان وهو الإنكار والتعجب ، ونظيره قولك أتطير بغير جناح وكيف تطير بغير جناح ، والواو في (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) نطفا في أصلاب آبائكم للحال ، وقد مضمرة ، والأموات جمع ميت ، كالأقوال جمع قيل ، ويقال لعادم الحياة أصلا ميت أيضا ، كقوله تعالى : (بَلْدَةً مَيْتاً) (١) (فَأَحْياكُمْ) في الأرحام (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عند انقضاء آجالكم (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) للبعث (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) تصيرون إلى الجزاء ، أو ثم يحييكم في قبوركم ، ثم إليه ترجعون للنشور ، وإنّما كان العطف الأول بالفاء والبواقي بثم لأن الإحياء الأول قد تعقّب الموت بلا تراخ ، وأما الموت فقد تراخى عن الحياة ، والحياة الثانية كذلك تتراخى عن الموت إن أريد النشور ، وإن أريد إحياء القبر فمنه يكتسب العلم بتراخيه ، والرجوع إلى الجزاء أيضا متراخ عن النشور ، وإنّما أنكر اجتماع الكفر مع القصة التي ذكرها لأنّها مشتملة على آيات بينات تصرفهم عن الكفر ولأنها تشتمل على نعم جسام حقّها أن تشكر ولا تكفر.
٢٩ ـ (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) أي لأجلكم ولانتفاعكم به في
__________________
(١) الفرقان ، ٢٥ / ٤٩. الزخرف ، ٤٣ / ١١. ق ، ٥٠ / ١١.