(الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٢٧)
الحق ، وأنّ الكفار الذين غلب الجهل على عقولهم إذا سمعوه كابروا وعاندوا وقضوا عليه بالبطلان وقابلوه بالإنكار ، وأنّ ذلك سبب هدى المؤمنين وضلال الفاسقين والعجب منهم كيف أنكروا ذلك وما زال الناس يضربون الأمثال بالبهائم والطيور وأحشاش (١) الأرض فقالوا : أجمع من ذرة وأجرأ من الذباب وأسمع من قراد وأضعف من فراشة وآكل من السوس وأضعف من البعوضة وأعزّ من مخّ البعوض ، ولكن ديدن المحجوج والمبهوت أن يرضى لفرط الحيرة بدفع الواضح وإنكار اللائح (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) هو مفعول يضل وليس بمنصوب على الاستثناء ، لأن يضل لم يستوف مفعوله. والفسق : الخروج عن القصد (٢).
وفي الشريعة : الخارج عن الأمر بارتكاب الكبيرة ، وهو النازل بين المنزلتين أي بين منزلة المؤمن والكافر عند المعتزلة وسيمر عليك ما يبطله إن شاء الله.
٢٧ ـ (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) النقض : الفسخ وفكّ التركيب. والعهد : الموثق. والمراد بهؤلاء الناقضين لعهد الله أحبار اليهود المتعنتون ، أو منافقوهم ، أو الكفار جميعا ، وعهد الله ما ركز في عقولهم من الحجة على التوحيد ، كأنّه أمر وصاهم به ووثقه عليهم ، أو أخذ الميثاق عليهم بأنّهم إذا بعث إليهم رسول يصدقه الله بمعجزاته صدقوه وأتبعوه ولم يكتموا ذكره ، أو أخذ الله العهد عليهم أن لا يسفكوا دماءهم ولا يبغي بعضهم على بعض ولا يقطعوا أرحامهم ، وقيل عهد الله إلى خلقه ثلاثة عهود ، العهد الأول الذي أخذه على جميع ذرية آدم عليهالسلام (٣) بأن يقروا بربوبيته ، وهو قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) (٤) الآية ، وعهد خصّ به النبيين أن يبلّغوا الرسالة ويقيموا الدّين ، وهو قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) (٥) وعهد خصّ به العلماء ، وهو قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) (٦) (مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) أصله من الوثاقة وهي إحكام الشيء ، والضمير للعهد ، وهو ما وثّقوا به عهد الله من قبوله
__________________
(١) في (ز) وخشاش.
(٢) زاد في (ز) والفاسق.
(٣) ليست في (ظ).
(٤) الأعراف ، ٧ / ١٧٢.
(٥) الأحزاب ، ٣٣ / ٧.
(٦) آل عمران ، ٣ / ١٨٧.