الله لأنزله جملة قال الله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) (١) فقيل إن ارتبتم في هذا الذي وقع إنزاله هكذا على تدريج (فَأْتُوا بِسُورَةٍ) أي فهاتوا أنتم نوبة واحدة من نوبه ، وهلموا نجما فردا من نجومه سورة من أصغر السّور ، والسورة الطائفة من القرآن المترجمة التي أقلّها ثلاث آيات ، وواوها إن كانت أصلا فإمّا أن تسمّى بسورة (٢) المدينة وهي (٣) حائطها ، لأنّها طائفة من القرآن محدودة محوزة على حيالها كالبلد المسوّر ، أو لأنها محتوية على فنون من العلم وأجناس من الفوائد كاحتواء سورة (٤) المدينة على ما فيها ، وإمّا أن تسمّى بالسورة التي هي الرتبة لأنّ السور بمنزلة المنازل والمراتب يترقى فيها القارئ ، وهي أيضا في نفسها مرتبة طوال وأوساط وقصار ، أو لرفعة شأنها وجلالة محلّها في الدّين ، وإن كانت منقلبة عن همزة فلأنّها قطعة وطائفة من القرآن كالسؤرة التي هي البقية من الشيء. وأما الفائدة في تفصيل القرآن وتقطيعه سورا فهي كثيرة ، ولذا أنزل الله تعالى التوراة والإنجيل والزبور وسائر ما أوحاه إلى أنبيائه مسوّرة مترجمة السورة ، وبوّب المصنفون في كلّ فن كتبهم أبوابا موشّحة الصدور بالتراجم. منها أنّ الجنس إذا انطوت تحته أنواع واشتمل على أصناف كان أحسن من أن يكون بيانا واحدا ، ومنها أنّ القارئ إذا ختم سورة أو بابا من الكتاب ، ثم أخذ في آخر كان أنشط له وأبعث على الدرس والتحصيل منه لو استمر على الكتاب بطوله ، ومن ثم جزّأ القراء القرآن أسباعا وأجزاء وعشورا وأخماسا ، ومنها أنّ الحافظ إذا حذق السورة اعتقد أنّه أخذ من كتاب الله طائفة مستقلة بنفسها لها فاتحة وخاتمة فيعظم عنده ما حفظه ويجلّ في نفسه ، ومنه حديث أنس (٥) رضي الله عنه : كان الرّجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ فينا (٦). ومن ثمّ كانت القراءة في الصلاة بسورة تامة أفضل (مِنْ مِثْلِهِ) متعلق بسورة صفة لها والضمير لما نزّلنا أي بسورة كائنة من مثله يعني فأتوا بسورة مما هو على صفته في البيان الغريب وعلو الطبقة في حسن النظم ، أو لعبدنا أي فأتوا بمن هو كحاله (٧) من كونه أميا لم يقرأ الكتب ولم يأخذ من العلماء ، ولا قصد إلى مثل ونظير هنالك. وردّ الضمير إلى المنزل أولى لقوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) (٨) (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ
__________________
(١) الفرقان ، ٢٥ / ٣٢.
(٢) في (ز) بسور المدينة.
(٣) في (ز) وهو.
(٤) في (ز) سور المدينة.
(٥) أنس : هو أنس بن مالك ، أبو حمزة صحابي نقل الفقه عن كثير من الصحابة ، ولد بالمدينة سنة ١٠ ق. ه ومات بالبصرة عام ٩٣ ه (الأعلام ٢ / ٢٤).
(٦) أخرجه أحمد وابن أبي شيبة ، وفي (ز) جلّ فينا.
(٧) في (ظ) و(ز) على حاله.
(٨) يونس ، ١٠ / ٣٨.