(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٢٢)
أن ينادوا بالآكد الأبلغ (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) وحّدوه قال ابن عباس رضي الله عنهما : كلّ عبادة في القرآن فهو (١) توحيد (الَّذِي خَلَقَكُمْ) صفة موضحة مميزة لأنّهم كانوا يسمون الآلهة أربابا. والخلق إيجاد المعدوم على تقدير واستواء ، وعند المعتزلة إيجاد الشيء على تقدير واستواء ، وهذا بناء على أنّ المعدوم شيء عندهم ، لأنّ الشيء ما صحّ أن يعلم ويخبر عنه عندهم ، وعندنا هو اسم للموجود ، خلقكم بالإدغام أبو عمرو (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) احتجّ عليهم بأنّه خالقهم وخالق من قبلهم لأنّهم مقرّين بذلك ، فقيل لهم إن كنتم مقرّين بأنّه خالقكم فاعبدوه ولا تعبدوا الأصنام (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي اعبدوا على رجاء أن تتقوا ، فتنجوا بسببه من العذاب ، ولعلّ للترجي والإطماع ، ولكنّه إطماع من كريم ، فيجري مجرى وعده المحتوم وفاؤه ، وبه قال سيبويه. وقال قطرب (٢) هو بمعنى كي أي لكي تتقوا.
٢٢ ـ (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ) أي صير ، ومحلّ الذي نصب على المدح ، أو رفع بإضمار هو (فَرْشاً) بساطا تقعدون عليها وتنامون وتتقلبون ، وهو مفعول ثان لجعل وليس فيه دليل على أنّ الأرض مسطّحة أو كريّة إذ الافتراش ممكن على التقديرين (وَالسَّماءَ بِناءً) سقفا كقوله تعالى : (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً) (٣) وهو مصدر سمّي به المبنيّ (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا (٤) (فَأَخْرَجَ بِهِ) بالماء ، نعم خروج الثمرات بقدرته ومشيئته وإيجاده ، ولكن جعل الماء سببا في خروجها ، كماء الفحل في خلق الولد ، وهو قادر على إنشاء الكلّ بلا سبب كما أنشأ نفوس الأسباب والمواد ، ولكن له في إنشاء الأشياء مدرجا لها من حال إلى حال وناقلا من مرتبة إلى مرتبة ، حكما وعبرا للنظّار (٥) بعيون الاستبصار ، ومن في (مِنَ الثَّمَراتِ) للتبعيض أو للبيان (رِزْقاً) مفعول له إن كانت للتبعيض (٦) ، ومفعول به لأخرج إن كانت للبيان ، وإنّما قيل الثمرات دون الثمر والثّمار وإن كان الثمر المخرج بماء السماء
__________________
(١) في (ز) فهي.
(٢) قطرب : هو محمد بن المستنير بن أحمد ، أبو علي الشهير بقطرب ، نحوي عالم بالأدب واللغة كان يرى رأي المعتزلة النظامية ، له مؤلفات توفي عام ٢٠٦ ه (الأعلام ٧ / ٩٥).
(٣) الأنبياء : ٢١ / ٣٢.
(٤) في (ظ) مطهرا.
(٥) في (ظ) للناظر.
(٦) في (ز) إن كانت من للتبعيض.