(يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (٢١)
وقوله تعالى : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) (١) (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) (٢) (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي إنّ الله قادر على كلّ شيء ، لمّا عدّد الله فرق المكلّفين من المؤمنين والكفّار والمنافقين وذكر صفاتهم وأحوالهم وما اختصت (٣) كلّ فرقة ممّا يسعدها ويشقيها ، ويحظيها عند الله ويرديها أقبل عليهم بالخطاب ، وهو من الالتفات المذكور فقال :
٢١ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ) قال علقمة (٤) : ما في القرآن يا أيها النّاس فهو خطاب لأهل مكة ، وما فيه يا أيها الذين آمنوا فهو خطاب لأهل المدينة ، وهذا خطاب لمشركي مكة ، ويا حرف وضع لنداء البعيد ، وأي والهمزة للقريب ، ثم استعمل في مناداة من غفل وسها وإن قرب ودنا تنزيلا (٥) منزلة من بعد ونأى ، فإذا نودي به القريب المفاطن فذاك للتأكيد (٦) المؤذن بأنّ الخطاب الذي يتلوه معني به (٧) جدا ، وقول الداعي (٨) يا رب ، وهو أقرب إليه من حبل الوريد استقصار منه لنفسه واستبعاد لها عن مظان الزلفى ، هضما لنفسه وإقرارا عليها بالتفريط مع فرط التهالك على استجابة دعوته ، وأي وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام ، كما أنّ ذو والذي وصلتان إلى الوصف بأسماء الأجناس ووصف المعارف بالجمل. وهو اسم مبهم يفتقر إلى ما يزيل إبهامه ، فلا بد أن يردفه اسم جنس أو ما يجري مجراه يتصف به حتى يصح (٩) المقصود بالنداء. فالذي يعمل فيه يا أي ، والتابع له صفته نحو يا زيد الظريف ، إلّا أنّ أيا لا يستقلّ بنفسه استقلال زيد فلم ينفك عن الصفة ، وكلمة التنبيه المقحمة بين الصفة وموصوفها لتأكيد معنى النداء وللعوض عما يستحقه أي من الإضافة. وكثر النداء في القرآن على هذه الطريقة لأنّ ما نادى الله به عباده من أوامره ونواهيه ، ووعده ووعيده ، أمور عظام ، وخطوب جسام ، يجب عليهم أن يتيقظوا لها ، ويميلوا بقلوبهم إليها ، وهم عنها غافلون ، فاقتضت الحال (١٠)
__________________
(١) الأنبياء ، ٢١ / ١٧.
(٢) الزمر ، ٣٩ / ٤.
(٣) زاد في (ظ) و(ز) به.
(٤) علقمة : هو علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعي ، أبو شبل ، تابعي كان فقيه العراق روى عن الصحابة وتوفي بالكوفة عام ٦٢ ه (الأعلام ٤ / ٢٤٨).
(٥) زاد في (ظ) و(ز) له.
(٦) في (ز) للتوكيد.
(٧) في (ز) معتنى به.
(٨) في (ظ) الداعين.
(٩) في (ز) يتضح.
(١٠) ليس في (أ) الحال.