المثل زيادة في الكشف وتتميما للبيان ، ولضرب الأمثال في إبراز خفيات المعاني ورفع الأستار عن الحقائق تأثير ظاهر ، ولقد كثر ذلك في الكتب السماوية ، ومن سور الإنجيل سورة الأمثال. والمثل في أصل كلامهم هو المثل وهو النّظير ، يقال مثل ومثل ومثيل كشبه وشبه وشبيه (١) ، ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده مثل ، ولم يضربوا مثلا إلّا قولا فيه غرابة ولذا حوفظ عليه ، فلا يغير (٢) ، وقد استعير المثل للحال أو الصّفة أو القصّة إذا كان لها شأن وفيها غرابة ، كأنّه قيل حالهم العجيبة الشأن كحال الذي استوقد نارا ، وكذلك قوله : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) (٣) أي فيما قصصنا عليك من العجائب قصّة الجنة العجيبة الشأن ، ثم أخذ في بيان عجائبها (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) (٤) أي الوصف الذي له شأن من العظمة والجلالة ، ووضع الذي موضع الذين كقوله : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) (٥) فلا يكون تمثيل الجماعة بالواحد ، أو قصد جنس المستوقدين ، أو أريد الفوج الذي استوقد (٦) على أنّ ذوات المنافقين لم يشبّهوا بذات (٧) المستوقد حتى يلزم منه تشبيه الجماعة بالواحد إنّما شبّهت قصتهم بقصة المستوقد ، ومعنى استوقد أوقد ، ووقود النار سطوعها. والنار جوهر لطيف مضيء حار محرق ، واشتقاقها من نار ينور إذا نفر لأنّ فيها حركة واضطرابا (فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) الإضاءة فرط الإنارة ، ومصداقه قوله تعالى (٨) (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) (٩) وهي في الآية متعدية (١٠) مسندة إلى ما حوله ، والتأنيث للحمل على المعنى ، لأن ما حول المستوقد أماكن وأشياء. وجواب فلما (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) وهو ظرف زمان ، والعامل فيه جوابه مثل إذا ، وما موصولة ، وحوله نصب على الظرف ، أو نكرة موصوفة ، والتقدير فلما أضاءت شيئا ثابتا حوله ، وجمع الضمير وتوحيده للحمل على اللفظ تارة وعلى المعنى أخرى ، والنّور ضوء النار ، وضوء كلّ نيّر ، ومعنى أذهبه أزاله وجعله ذاهبا ، ومعنى ذهب به استصحبه ومضى به. والمعنى أخذ الله بنورهم ، وأمسكه وما يمسك فلا مرسل له ، فكان أبلغ من الإذهاب ، ولم يقل ذهب الله بضوئهم لقوله فلما أضاءت ، لأن ذكر النور أبلغ ، لأن الضوء فيه دلالة على الزيادة ، والمراد إزالة النور عنهم رأسا ، ولو قيل ذهب الله
__________________
(١) ليس في (ظ) وشبيه.
(٢) في (ظ) يغيروا.
(٣) الرعد ، ١٣ / ٣٥. محمد ، ٤٧ / ١٥.
(٤) النحل ، ١٦ / ٦٠.
(٥) التوبة ، ٩ / ٦٩.
(٦) زاد في (ظ) و(ز) نارا.
(٧) في (أ) بذوات.
(٨) ليست في (ظ) و(ز).
(٩) يونس ، ١٠ / ٥.
(١٠) زاد في (ظ) و(ز) ويحتمل أن تكون غير متعدية.