(أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) (١٧)
١٦ ـ (أُولئِكَ) مبتدأ وخبره (الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) أي استبدلوها (١) به واختاروها عليه ، وإنّما قال اشتروا الضّلالة بالهدى ولم يكونوا على هدى لأنّها في قوم آمنوا ثمّ كفروا ، أو في اليهود الذين كانوا مؤمنين بمحمد صلىاللهعليهوسلم (٢) ، فلمّا جاءهم كفروا به ، أو (٣) جعلوا لتمكنهم منه ، كأنّ الهدى قائم فيهم فتركوه بالضلالة ، وفيه دليل على جواز البيع تعاطيا ، لأنّهم لم يتلفّظوا بلفظ الشراء ولكن تركوا الهدى بالضّلالة (٤) عن اختيار (٥) ، وسمّى ذلك شراء فصار دليلا لنا على أنّ من أخذ شيئا من غيره وترك عليه عوضه برضاه فقد اشتراه وإن لم يتكلّم به ، والضّلالة الجور عن القصد وفقد الاهتداء ، يقال ضلّ منزله فاستعير للذّهاب عن الصّواب في الدّين (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) الرّبح الفضل على (٦) رأس المال ، والتجارة صناعة التاجر ، وهو الذي يبيع ويشتري للربح ، وإسناد الرّبح إلى التجارة من الإسناد المجازي ، ومعناه فما ربحوا في تجارتهم إذ التجارة لا تربح ، ولما وقع شراء الضّلالة بالهدى مجازا أتبعه ذكر الرّبح والتجارة ترشيحا له كقوله :
ولما رأيت النسر عزّ ابن دأية |
|
وعشّش في وكريه جاش له صدري (٧) |
لمّا شبّه الشّيب بالنّسر ، والشعر الفاحم بالغراب أتبعه ذكر التعشيش والوكر (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) لطرق التجارة كما يكون التجار المتصرفون العالمون بما يربح فيه ويخسر. والمعنى أنّ مطلوب التجار سلامة رأس المال والربح ، وهؤلاء قد أضاعوهما ، فرأس مالهم الهدى ولم يبق لهم مع الضلالة ، وإذا لم يبق لهم إلا الضّلالة لم يوصفوا بإصابة الرّبح وإن ظفروا بالأغراض الدّنيوية ، لأنّ الضّالّ خاسر ، ولأنه لا يقال لمن لم يسلم له رأس ماله قد ربح ، وقيل الذين صفة أولئك ، وفما ربحت تجارتهم إلى آخر الآية في محل الرفع خبر أولئك.
١٧ ـ (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) لما جاء بحقيقة صفتهم عقبها بضرب
__________________
(١) في (ظ) ابتدلوها.
(٢) في (ظ) عليه الصلاة والسلام.
(٣) في (ظ) وجعلوا.
(٤) في (أ) بالضالة.
(٥) ليس في (ظ) عن اختيار ، وفي (ز) قال : اختيارهم.
(٦) في (ظ) عن.
(٧) ابن دأية : الغراب.