جمال الدين والكواكبي ومحمّد عبده ، واستبشر الفكر والمفكّرون ، وبدأت مرحلة جديدة في توحيد الكلمة تحت ظلال كلمة التوحيد قادها رجال مصلحون كالسيد البروجردي والسيد هبة الدين الشهرستاني وكاشف الغطاء وشرف الدين ورجالات الأزهر ، وبدت تجلّيات تلك الحقبة واضحة في تأثيراتها تاركة بصماتها على مسيرة الحركة الفكرية من خلال احترام الرأي والرأي الآخر ، وبدت معالم العمران الفكري التي أسّست للفكر الإسلامي المعاصر لبنتها الأولى واضحة المعاني.
إلاّ أنّه سرعان ما بدأت في أوربا مرحلة جديدة من العصور المظلمة تجتاح الفكر الأوربي ، وأخذت الفضيلة والقيم الدون كيشيوتية بالانحسار أمام جيوش صموئيل هينتنغتون ـ الّذين زجّهم في صراع حضاراته ـ وفوكوياما في نهاية تاريخيه.
فعاد دون كيشوت أدراجه راجلا ينذر البشرية بحروب صليبية من نوع جديد أخذت تلقي بظلالها واضحة على مجتمعاتنا الإسلامية ، وبدا للوهلة الأولى وكأنّ طبول الحرب تقرع بين الشرق والغرب لكنّ صداها كان أقرب من ذلك بكثير ، وإذا بها حرب ضروس بين أبناء كلمة التوحيد ، شحذ فيها أصحاب الكلمة والسيف من أبناء جِلدتنا أقلامهم وسيوفهم ؛ لتمزيق ما تبقّى من أوصال هذه الأمّة ، وتجلّت في أبشع صورها عندما بدأ البعض بمصادرة الرأي وإقصاء الرأي الآخر ، حتّى وصل بنا الأمر إلى التكفير والتهويد ، والذبح على الفكرة والمذهب ، وهدر الدم ، واستباحة الأعراض والأموال لكلّ من يخالف في الكلمة والفكرة ، متناسين أنّ الحوار بين المذاهب لم يغب يوماً عن الحراك الفكري منذ نشأة الدولة الفتية في صدر الإسلام ، فكثيراً ما كانت تعقد مجالس الحوار والمناظرات بين