عثمان ، تبعيد أبي ذر من قبل عثمان ، هذا في حين جاءت المجالس الأخيرة لهذا الكتاب بعيدة كلّ البعد عن طرح مثل هكذا اُمور(١).
وبناءً على هذا نستطيع أن ندرك كم كان الشيخ المفيد يولي أهمّية لمسألة الزمان والمكان حيث كان لهما الأثر الكبير في انتخاب المواضيع ، فليس هناك مجلس من هذه المجالس نراه تخلّى عن موضوع الخلافة والإمامة ـ إلاّ المجلس الثالث والعشرين ـ ولكنّ كيفية انتخابه وتبيينه للمواضيع كان قد حظي باهتمام خاصّ منه ، بحيث أنّ كتاباته لم تؤدِّ إلى التوتّر والاضطراب بين السنّة والشيعة في بغداد.
ولا يخفى أنّه دارت بعض الاشتباكات بين الشيعة والسنة في ذلك الزمان كما أشرنا إلى ذلك سابقاً حتّى أنّهم أبعدوا الشيخ المفيد من بغداد مرّتين على إثرها ، لكنّ هذا الأمر لا علاقة له بنشاطات الشيخ العلمية والإجتماعية بل أنّ الأمر تعدّى إلى أكثر من ذلك فهي كانت معلولة للوضع المتوتّر القائم آنذاك والمواجهات التي كانت تقع بين الحين والآخر ثمّ إنّ المؤلّفين حتّى المتشدّدين منهم الذين صوّروا لنا أحداث ذاك العهد نزّهوا الشيخ المفيد من التدخّل في هذه الاضطرابات ، لكن بما أنّه كان متصدّياً لزعامة الشيعة آنذاك(٢) فمن الطبيعي أن تتوجّه إليه الكثير من الاتهامات والهجمات من قبل الأعداء حتّى أنّهم أبعدوه من بغداد بهذا العنوان(٣). إنّه ليس من الصحيح أن يقال : إنّ ما طرحه الشيخ المفيد بنحو خاصّ من مسائل ومواضيع تاريخية كانت منشأ لنشوب الفتن أو ذريعة للهجوم على
__________________
(١) انظر (مقالات فارسي كنگره شيخ مفيد) ، رقم ٥٥.
(٢) الفهرست لابن النديم : ٢٢٦.
(٣) المنتظم ١٥ / ٣٣ ، دول الإسلام : ٢١٢.